هل يلجأ نتنياهو لإجراء انتخابات مبكرة؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مؤخرًا، عادت الأزمات الداخلية، وعلى رأسها ملف الفساد، والخلافات مع القضاء، وقانون تجنيد اليهود المتشددين «الحريديم»، إلى الواجهة، وعاد الحديث عن تأثير الأحزاب الصغيرة على حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لكن فى الوقت نفسه تؤكد استطلاعات الرأى ارتفاع شعبية حزبه «الليكود» فى الأسابيع الأخيرة عقب توقيع اتفاق وقف الحرب فى غزة. وطوال مسيرته السياسية الطويلة كان بنيامين نتنياهو مدينًا للأحزاب الدينية المتطرفة بالوصول والبقاء فى السلطة، خصوصًا عندما يكون ائتلافه الانتخابى فائزًا بأغلبية ضئيلة فى انتخابات الكنيست، فحينها يتمتع هؤلاء- كما يحدث حاليًا- بنفوذ هائل فى الحكومة، ويؤثرون على صنع القرارات. 

ومع التضارب بين عودة الأزمات وارتفاع شعبية الحزب يجدر النظر بشكل أكثر دقة إلى المشهد الحالى فى إسرائيل، لفهم ما يواجهه نتنياهو وما ينتظره، فى ظل توقعات البعض بأن يذهب إلى إجراء انتخابات مبكرة استغلالًا لظرف قد لا يتكرر، وهو ما نتناوله فى السطور التالية. 

 

حزب «الليكود» يزداد قوة فى استطلاعات الرأى رغم أزمة «تجنيد الحريديم»

 

وفقًا لتقارير إسرائيلية غير مؤكدة، فقد أوصى بعض المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بإطلاق حملة انتخابية مبكرة، خلال ٣ أشهر، بعد مناقشات داخلية، قادها نتنياهو بنفسه، إثر فضيحة المدعية العامة العسكرية يفعات تومر- يروشلمى، بعد أن سرّب مكتبها مقطع فيديو يظهر اعتداء جنود دولة الاحتلال على معتقل فلسطينى فى سجن عسكرى عام ٢٠٢٤.

واعتبرت بعض التقارير أن هذه الفضيحة أعدت الأجواء السياسية لتوفير أفضل نتيجة انتخابية ممكنة لنتنياهو وحزبه «الليكود»، خاصة أن مقربين منه يرون أن قضية المدعية العامة يمكن ربطها بحملة رئيس الوزراء الأوسع نطاقًا ضد النظام القضائى الإسرائيلى، والمتعلقة بمحاكمته بتهم فساد، وترى هذه الدائرة أن التركيز على ملف القضاء قد يمنح نتنياهو زخمًا انتخابيًا، خاصة فى ظل تزايد التوتر بين الحكومة والمؤسسة القضائية.

وحسب التقديرات، فإن نتنياهو الآن يتأرجح بين مستوى البقاء المعتمد على أصوات الأحزاب الدينية المتشددة، ومستوى القدرة على الفوز فى الانتخابات المقبلة، وإن كان يحتاج إلى استعادة شريحة من الناخبين ممن انضموا سابقًا إلى رئيس الوزراء السابق، نفتالى بينيت، واستطاع نتنياهو استرجاعهم من خلال صفقة تحرير الرهائن.

ويرى هؤلاء أن الاتفاق على المرحلة الأولى من الصفقة لإنهاء الحرب وإعادة كل الرهائن أدى إلى تعزز قوة «الليكود» بمقعدين، ما يمنع معارضيه من تشكيل حكومة بديلة.

وحسب استطلاع للرأى نشرته صحيفة «معاريف» العبرية، وأجراه معهد «لزار» للبحوث، فقد حدث تراجع بنحو ٣ مقاعد لحزب «القوة اليهودية»، الذى يعارض الاتفاق، كما أظهرت الاستطلاعات هذا الأسبوع أن حزب «الصهيونية الدينية» أيضًا سيبقى دون نسبة الحسم، وبالمقابل، فقد ارتفعت شعبية حزب «هناك مستقبل» هذا الأسبوع بـ٣ مقاعد، على خلفية الموقف العلنى الثابت ليائير لابيد، كما أن حزب «أزرق أبيض»، بقيادة بينى جانتس، قد لا يجتاز هذه المرة أيضًا نسبة الحسم.

أما حول تأثير الوضع الداخلى، فقد شهدت الأيام الأخيرة تزايدًا ملحوظًا فى ضغط اليهود المتشددين دينيًا «الحريديم» على ائتلاف نتنياهو، فقبل أسبوعين أعلن حزب «شاس» عن استقالته من مناصبه الائتلافية فى الكنيست، حتى يتم تنظيم وضع طلاب المدارس الدينية، وجاء فى بيانه: «سنعود إلى مناصبنا عندما يتم تنظيم وضع طلاب المدارس الدينية». 

ورغم هذه الخطوة، فإن القناة العبرية الـ١١ كشفت عن أن رئيس حزب «شاس»، أرييه درعى، شارك فى اجتماع الكابينيت الأمنى المصغّر للحكومة، الذى ناقش الوضع فى قطاع غزة، وذلك حسب تقرير لموقع «يديعوت أحرونوت».

فيما هاجم وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، القرار، قائلًا إنه فقد صبره منذ فترة تجاه هذه «الألاعيب السياسية».

وأضاف: «لا يمكن أن تكون داخل الائتلاف وخارجه فى الوقت ذاته. هناك دولة يجب إدارتها، ولا يمكن الاستمرار فى التحكم فى الوزارات عن بُعد والبقاء فعليًا خارج الحكومة». 

وأوضح أنه قال لرئيس الحكومة نتنياهو إن الحل إمّا فى تمرير قانون تجنيد حقيقى يُنهى الواقع غير الطبيعى بعدم مشاركة «الحريديم» فى الخدمة، وإمّا فى التوجّه إلى الانتخابات.

كذلك، فقد كشف ممثلو أحزاب «الحريديم» عن أنهم أبلغوا نتنياهو بأنهم سيقاطعون التصويت فى الكنيست، وأن عودتهم إلى الحكومة لن تُبحث قبل بدء مناقشة صيغة قانون التجنيد الجديد.

وقبل أسبوع بدأت الدورة الشتوية للكنيست دون مؤشرات على توجه نحو إقرار مشروع قانون للتجنيد يمنح «الحريديم» إعفاءات من الخدمة بالجيش.

وفى ظل ذلك، يواصل «الحريديم» احتجاجاتهم ضد التجنيد، عقب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، فى ٢٥ يونيو ٢٠٢٤، الخاص بإلزامهم بالتجنيد ومنع تقديم مساعدات مالية للمؤسسات الدينية التى يرفض طلابها الخدمة العسكرية.

 

 

تراجع خصوم «بيبى» رغم «مكاسب ما بعد السابع من أكتوبر»: انشقاقات وهجرة عكسية وأزمات خاصة 

 

سياسيًا، يظل اليسار فى إسرائيل، مثلما كان منذ عقد كامل، يضم أصواتًا قوية لكنه مشتت ويجد صعوبة فى التوحد حول فكرة إلا فكرة إزاحة نتنياهو من السلطة، بينما فى الواقع يعانى كل حزب يسارى من أزمة حقيقية وكل زعيم لديه أولويات مختلفة، فعلى سبيل المثال يدفع أفيجدور ليبرمان نحو فرض السيادة ومهاجمة إيران، أما نفتالى بينيت فهو منشغل بـ«فشل الإعلام»، وبينى جانتس فقد الكثير من الأصوات، رغم توقعات كثيرة سابقة بأنه سيكون رئيس الوزراء القادم إثر الفشل الإسرائيلى فى ٧ أكتوبر.

وبعد أحداث السابع من أكتوبر، ارتفعت حظوظ «المعسكر الوطنى»، بقيادة بينى جانتس، إلى نحو ٤٠ مقعدًا، بينما خسر «الليكود» ما يقرب من نصف قوته، وتراجع إلى ١٧ مقعدًا فقط، لكن بعد عامين من اندلاع أطول حرب فى تاريخ إسرائيل استعاد «الليكود» عافيته فيما تراجع حزب «جانتس» إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب. 

وحول ذلك، علّق مناحيم لازار، خبير استطلاعات الرأى فى صحيفة «معاريف»، بقوله: «يحاول جانتس التحدث بلباقة، وإظهار هيبته، ويدعو لإنهاء المقاطعة، وهو ما فُسِّر على أنه استعداد منه للعودة إلى الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، لكن فى ظل الخلاف العميق بين المعسكرين السياسيين يبدو جانتس وكأنه (يسقط بين الكراسى)، ورسائله لا تلقى قبولًا من اليمين ولا اليسار على حد سواء».

ويذكر «لازار» أن صعود «جانتس» جاء بعد انضمامه إلى حكومة الطوارئ، وهو ما لاقى استحسانًا من الجمهور الإسرائيلى، الذى أصيب بالصدمة بعد أحداث السابع من أكتوبر، لكن جانتس ربما انسحب متأخرًا جدًا من الائتلاف الذى تشكل بعد اندلاع الحرب.

وقال: «لقد كان حزب (أزرق أبيض) بمثابة (موقف سيارات) ضخم بعد صدمة أحداث السابع من أكتوبر، ومع مرور الوقت بدأ الناس يعودون إلى منازلهم السياسية المناسبة».

ويقدّر «لازار»، أيضًا، أن عودة نفتالى بينيت إلى الساحة السياسية، وانشقاق جادى آيزنكوت عن «جانتس» وتشكيله حزبًا مستقلًا، قد أضعفا قوة «أزرق أبيض» بشكل كبير، ويوضح قائلًا: «إنهم يستقطبون فعليًا أصوات جانتس المحتملة».

وفى مقال لأورى مسغاف، نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية، شرح الكاتب أسباب تعزيز قوة «الليكود»، موضحًا أنه خلال حكم نتنياهو بُنيت شبكة ضخمة من المكافآت الاقتصادية لمناصريه، على شكل تعيينات ووظائف فى الخدمة المدنية والقطاع العام، ومناقصات وصفقات من دون مناقصات، ومساعدات وتسهيلات، وهو ما جعل مئات الآلاف من الأُسر فى إسرائيل تستفيد مما يقدمه «الليكود»، وأصبح اهتمامهم هو المصلحة الشخصية وليس مصلحة الدولة.

وأشار «مسغاف» إلى أن «الكراهية» هى المادة اللاصقة الأقوى فى معسكر نتنياهو، حسبما اعترف ناتان إيشيل، المقرب من رئيس الوزراء، وقال إن مشروعه الأهم هو «كراهية اليساريين»، على الرغم من أن «الليكود» لا يطبّق «سياسات يمينية حقيقية». ووفقًا للكاتب، فهناك أيضًا رابطة «كراهية اليهود من أصول أشكنازية»، على الرغم من أن معظم قادة «الليكود» هم من اليهود الغربيين «الأشكناز»، وكذلك كراهية العلمانيين والليبراليين، الذين «نسوا معنى أن يكونوا يهودًا»، حسب رؤية معسكر نتنياهو، وذلك على الرغم من أن معظم قادة «الليكود» أنفسهم غير متدينين، وكذلك هناك «كراهية المحتجين والمتظاهرين» و«كراهية العرب» و«كراهية كل مَن لا يكره العرب»، وهو ما يعنى أنه حتى تنجح المعارضة فى سحب أصوات من نتنياهو فإن عليها ضم أصوات متطرفة فى صفوفها، حسب «مسغاف». وأضاف: الديموجرافيا لعبت دورًا أيضًا فى تعزيز قوة «الليكود»، حيث يتمتع الحزب، ومعه حزب «قوة يهودية»، بقاعدة ضخمة من الناخبين «الحريديم» و«الحريديم السابقين»، وقلة قليلة منهم تنتقل إلى دعم أحزاب الوسط، أو اليسار، حتى بعد تركهم نمط الحياة الدينى، وهذا وحده يفسّر سبب بقاء «شاس» و«التوراة اليهودية» عند ٨-٩ مقاعد منذ أعوام، من دون نمو.

وكشف «مسغاف» عن أنه منذ تأليف حكومة نتنياهو فى يونيو ٢٠٢٢، غادر إسرائيل ما يعادل ثلاثة مقاعد انتخابية من الذين يحق لهم التصويت من اليساريين، وهى أصوات فقدتها المعارضة الإسرائيلية.

وحول المستقبل القريب، يرى كثيرون أن الإجابة هى أن الأمور قد تسير فى كلا الاتجاهين، فمن جهة، قد يزداد «الليكود» قوةً فى ضوء اتفاقيات دولية محتملة لتطبيع العلاقات مع دول إسلامية أخرى، ولكنه قد يدفع أيضًا الثمن الباهظ لصفقة إطلاق سراح العديد من السجناء الفلسطينيين، واستمرار وجود «حماس» كقوة مؤثرة فى قطاع غزة، ما قد يُضعف حظوظه.

ويؤكد المراقبون أنه، وحتى الآن، لا تزال كتلة ائتلاف نتنياهو بعيدة كل البعد عن الـ٦١ مقعدًا المطلوبة لتشكيل الحكومة، لكنه أيضًا يظل قادرًا على «منع تشكيل حكومة بديلة».

وحاليًا، يعتزم نتنياهو العمل على إقرار ميزانية جديدة، ويُعد إقرار ميزانية فى عام انتخابى مهمةً غير سهلة من الناحية السياسية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى قرر عدم الاستسلام، وفى حال عدم إقرار الميزانية، ووفقًا للقانون، ستسقط الحكومة فى نهاية مارس ٢٠٢٦، رغم أن الموعد القانونى للانتخابات يحل بعد ثمانية أشهر تقريبًا، وكما يبدو لا ينوى نتنياهو التبرع بأشهر من حكمه للمعارضة.

فيما أفادت التقارير بأن أحد الجوانب التى قد تعوق إجراء الانتخابات المبكرة هو أمل نتنياهو فى أن يتمكن من عرقلة محاكمته بتهمة الفساد خلال فترة ولاية حكومته، التى من المقرر أن تنتهى فى أكتوبر ٢٠٢٦ على أبعد تقدير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق