أكدت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة هي منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف أن أحدث التحليلات الميدانية لانعدام الأمن الغذائي في السودان أظهرت تحسنًا ملموسًا في المناطق التي استعاد فيها الجيش السوداني السيطرة وهدأ فيها القتال، مقابل تدهور كارثي في المناطق المحاصرة من قبل ميليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية شمال.
وذكرت الوكالات في بيان مشترك أن الوضع الغذائي في السودان يشهد “تناقضات صارخة على طول خطوط النزاع”، حيث سمح استقرار الأوضاع الأمنية في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار وأجزاء من شمال كردفان بوصول المساعدات الإنسانية وانتعاش الأسواق المحلية واستئناف الأنشطة الزراعية والتجارية، مما أبعد خطر المجاعة عن هذه المناطق.
استعادة الجيش السوداني السيطرة على مناطق استراتيجية منذ مايو 2025
وأشارت التقارير إلى أن هذا التحسن جاء نتيجة استعادة الجيش السوداني السيطرة على مناطق استراتيجية منذ مايو 2025، ما مكّن العائلات من العودة إلى منازلها وعودة الحركة التجارية والإمدادات الغذائية المنتظمة، رغم أن هذه المكاسب لا تزال محدودة بسبب الدمار الواسع الذي خلّفه النزاع على البنية التحتية والاقتصاد الوطني.
في المقابل، حذرت الأمم المتحدة من تفاقم الجوع وسوء التغذية في غرب السودان وجنوبه، خاصة في ولايتي دارفور وكردفان، حيث تفرض ميليشيا الدعم السريع حصارًا خانقًا على مدينتي الفاشر وكادقلي منذ أكثر من عام، ما أدى إلى حرمان ملايين المدنيين من الغذاء والدواء وتفشي المجاعة والأمراض.
وأعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن مجاعة كاملة قد وقعت بالفعل في الفاشر وكادقلي، وسط توقعات بامتدادها إلى أكثر من 20 منطقة إضافية في الإقليمين، موضحًا أن نحو 21.2 مليون سوداني يواجهون درجات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي، بانخفاض طفيف مقارنة بالعام السابق بفضل التحسن في المناطق التي استعادها الجيش.
كما أبدت الوكالات الأممية قلقًا بالغًا من تفشي أمراض الكوليرا والملاريا والحصبة في المناطق التي انهارت فيها أنظمة الصحة والمياه والصرف الصحي، محذّرة من ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد إلى 75% في الفاشر و29% في كادقلي، وهو ما يهدد حياة آلاف الأطفال.
وقال رين بولسن، مدير إدارة الطوارئ في منظمة الأغذية والزراعة، إن “استعادة القدرة على الوصول وتمكين المجتمعات المحلية من إنتاج غذائها بنفسها أمر أساسي لإنقاذ الأرواح”، مشددًا على أهمية دعم المزارعين بالبذور والأدوات والماشية باعتبارها شريان حياة لملايين السودانيين.
من جانبها، أكدت لوسيا إلمي، مديرة عمليات الطوارئ في اليونيسف، أن “الجمع القاتل بين الجوع والمرض والنزوح يعرّض ملايين الأطفال للخطر”، مشيرة إلى أن الفتيات يتحملن العبء الأكبر نتيجة سوء التغذية والعنف القائم على النوع الاجتماعي وانقطاع التعليم.
وتحمّل التقارير الأممية مسؤولية تفاقم الأزمة في دارفور وكردفان إلى حصار ميليشيا الدعم السريع التي تمنع وصول المساعدات منذ أبريل 2024، مما أجبر السكان على تناول علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، في وقت تواصل فيه الميليشيا هجماتها ضد المدنيين في المدن المحاصرة.
ودعت الأمم المتحدة إلى إنهاء القتال فورًا وتوفير ممرات إنسانية آمنة لوصول الغذاء والدواء، مؤكدة أن استمرار الحصار يهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث.










0 تعليق