في مشهد يعيد الاعتبار للهوية الثقافية المصرية بكل عمقها وتنوعها، تستعد محافظة قنا الأربعاء لاستقبال فعاليات الدورة الأولى من مهرجان قنا للفنون والحرف التراثية، المقام تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، خلال الفترة من 5 إلى 8 نوفمبر الجاري 2025، ليكون الحدث الثقافي الأبرز في صعيد مصر هذا العام، ونافذة تطل منها روح الجنوب على مستقبل جديد من الوعي التراثي والنهضة الإبداعية.
رعاية الدولة.. تأكيد على أن التراث ليس ماضيًا بل مستقبلًا
لم تكن رعاية رئيس الوزراء لـ مهرجان قنا للفنون حدثًا بروتوكوليًا فحسب، بل هي رسالة تؤكد أن الدولة المصرية ترى في تراثها أحد أعمدة قوتها الناعمة، وأن الحرف والفنون الشعبية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل موارد ثقافية واقتصادية يمكن توظيفها في دعم التنمية المستدامة.
وقد عبّر الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا ورئيس اللجنة العليا للمهرجان، عن تقديره العميق لهذه الرعاية، مشيرًا إلى أن مهرجان قنا للفنون يأتي ضمن استراتيجية وطنية متكاملة لصون الموروث الشعبي من خلال التوثيق، ودعم المبادرات الفردية والمجتمعية، وإدماج التراث في منظومة السياحة الثقافية.
قنا.. مدينة التراث الحي
اختيار قنا لاستضافة المهرجان لم يكن مصادفة، فهي مدينة تتنفس الحرف والفنون منذ قرون، وتعد من أغنى محافظات مصر بالتراث غير المادي.
من نسيج النخيل وصناعة الفخار إلى الغناء الشعبي ورقصات التحطيب، تظل قنا نموذجًا حيًا لتواصل الأجيال مع جذورهم الحضارية، ولذا جاء المهرجان ليمنح هذه الكنوز مساحة للظهور من جديد أمام جمهور محلي ودولي متعطش لاكتشاف مصر الأخرى، مصر القرى والنجوع التي تحفظ الذاكرة وتغزل الجمال من خيوط البساطة.
منصة للإبداع الشعبي وتطوير المهارات
يؤكد الناقد الفني هيثم الهواري، مؤسس ورئيس المهرجان، أن الحدث يمثل نقلة نوعية في مفهوم المهرجانات الثقافية، إذ يجمع بين البعد الفني والتنموي والإنساني، عبر ورش تدريبية متخصصة تستهدف الشباب والحرفيين لتطوير مهاراتهم في مجالات الحرف اليدوية والفنون الشعبية، إلى جانب عروض فنية متنقلة تصل للمرة الأولى إلى القرى والمستشفيات والنجوع، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى دمج الثقافة في الحياة اليومية، وتحويل الفنون إلى وسيلة للتنمية المجتمعية وخلق فرص اقتصادية جديدة.
نحو خريطة جديدة للوعي بالتراث
المهرجان لا يكتفي بالاحتفال بالماضي، بل يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان وتراثه، بين الفن والتنمية، بين الإبداع والهوية.
فمن خلال الندوات والمعارض والعروض الميدانية، يسعى القائمون عليه إلى بناء وعي جديد يجعل من التراث المصري مصدر إلهام للمستقبل لا مجرد ذكرى من الماضي.
وهكذا، تبدو قنا على موعد مع حدث ثقافي استثنائي، لا يضيء فقط ملامح الجنوب بل يرسم ملامح “جمهورية ثقافية جديدة” تعيد تعريف الانتماء والإبداع من منظور وطني وإنساني شامل، لتصبح الفنون والحرف التراثية جسرًا متينًا بين الذاكرة والحداثة، وبين الأصالة والتنمية.















0 تعليق