بمجرد أن يُذكر على مسامعنا اسم «أرابيسك»، المسلسل الشهير للنجم صلاح السعدنى، على الفور يتبادر إلى أذهاننا صورة الحِرفى الذى يجلس أو يقف برزانة ووقار ويُعمل أصابعه فى قطعة من الخشب التى تتحول بين يديه إلى تحفة فنية تسر الناظرين إليها.
هذه المهنة التى كان يمتهنها بطل «أرابيسك» هى «النجارة العربى»، التى ما زالت تمتهنها عائلة أبوزيد، صاحبة أقدم الورش لتلك الحرفة فى شارع القلعة بالقاهرة القديمة.
ورشة عائلة «أبوزيد» هى مدرسة فنية متكاملة تحافظ على تقاليد النجارة العربية كما ورثها الحرفيون منذ العصرين المملوكى والعثمانى، حيث يتحول الخشب إلى قطع فنية تحمل روح الأجداد وتحكى تراثهم، وتخلد ذكراهم، وتستمر الحرفة فى التنفس عبر الأيدى التى تصونها، لتبقى شاهدًا حيًا على واحدة من أعرق الصناعات المصرية الأصيلة.
وقال المهندس «وائل أبوزيد» إن عائلته تعد أقدم عائلة فى مصر لا تزال تعمل بهذه الحرفة حتى اليوم، حيث تعود جذورها إلى عصر السلطان سليم الأول، وهو أمر موثّق فى كتب تاريخية، وكذلك فى رسالة دكتوراه أعدها الدكتور أسعد نُهيم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتى تضمنت جميع أسماء العائلة وسلسلة توارث الحرفة عبر الأجيال.
وأضاف «أبوزيد» أن أغلب أفراد العائلة فى الأجيال السابقة كانوا يعملون فى نفس المجال، حتى الجيل الحالى، مبينًا أن لديه أبناء أعمامه فى نفس الجيل ما زالوا متمسكين بنفس الحرفة.
وأكمل أن الأجيال الجديدة لا يعرف معظم أفرادها هذه المهنة، إلا أن أبناءه ما زالوا يكملون المسيرة، حيث يعمل ولداه معه ولكن ما زالا فى مرحلة التعليم.
وأوضح أن «النجارة العربى» تعد واحدة من أقدم وأعرق أشكال النجارة فى مصر والشرق الأوسط، إذ تمثل الطراز الإسلامى والعربى الأصيل فى العمارة والديكور، وتعتمد على نقوش وزخارف ذات طابع روحى وفنى، وظهرت وازدهرت مع تطور الحضارة الإسلامية، وتُستخدم فى صناعة الأبواب والشبابيك وقطع الأثاث المزخرفة بالأشكال الهندسية أو النباتية، والتى تنفذ يدويًا بدقة ومهارة عالية.
وقال إن مهنته تتضمن التطعيم، والحفر، والمشغولات الخشبية التراثية بأنواعها، موضحًا أن طريقة التنفيذ تبدأ بصناعة القطعة حسب طلب العميل، فإذا كان الطقم عربيًا فيتم تكوينه من «كمب خلاسى» و«كمب مصوّر»، وبعدها يعيد توزيع العناصر الزخرفية «الموتيفات» التراثية بما يناسب العصر الحالى مع الحفاظ الكامل على الروح الأصلية والطريقة التراثية المتعارف عليها.
وأضاف أن أى منتج يمر بعدة مراحل: أولًا تجهيز الخشب الخام، وتصميم النقوش والعناصر الزخرفية التراثية، ثم تنفيذ التطعيم باستخدام الصدف الأبيض والمكعبات الخشبية، والتقطيع والتثبيت يدويًا، وبعدها الصنفرة ثم التشطيب النهائى، وأخيرًا التجميع والتحويل إلى قطعة متكاملة.
وأشار إلى أن هناك نوعين من الماكينات يستخدمها فى حرفته، الأولى ماكينات تقليدية مثل «التخانة، والحلية، والمنقار»، وحديثة مثل «الراوتر والليزر»، مبينًا أن استعمال هذه الماكينات يعتبر وسيلة مساعدة لتسهيل العمل على الحرفيين، ولا يمكن الاعتماد عليها فى إنتاج منتج كامل لأنها تُفقد العمل روحه.
«الشغل العربى يعتبر ثقافة شعب»، هكذا عبّر «أبوزيد» عن طبيعة مهنته، قائلًا: «الورشة لا تنتج قطع ديكور فقط، بل أعمالًا لها قيمة فنية ووظيفية، مثل: المنابر، وأبواب المساجد، ودواليب، والشكمجيات، والطقم العربى التراثى، فهناك من يعشقون هذا الفن ويحبون اقتناءه»، مشيرًا إلى أنه بالرغم من أن الشكمجيات كانت مخصّصة للمجوهرات قديمًا، إلا أنها اليوم تُستخدم كديكور أو لحفظ الوثائق فى المكاتب الراقية.
وأوضح أنهم شاركوا فى تنفيذ تصميمات لعدد من المساجد الكبرى فى مصر، من بينها مسجد «الفتاح العليم» ومسجد «المشير» ومسجد «الرحمن الرحيم»، كما أسهموا فى ترميم مسجد «رابعة العدوية» ومسجد «السيدة نفسية»، ضمن أعمال النجارة العربى والزخارف الخشبية التراثية.















0 تعليق