صدر حديثا عن دار صفصافة للنشر والتوزيع رواية "الراقصة" للكاتب الفرنسي باتريك موديانو، ومن ترجمة المترجم لطفي السيد منصور.
من أجواء رواية "الراقصة"
سمراء؟ لا.. كانت ذات شعر كستنائي داكن وعيون سوداء. الوحيدة التي تمكنا من العثور على صور لها، أما الآخرون، باستثناء بيير الصغير، فقد تلاشت وجوههم مع مرور الوقت. كان التقاط الصور في تلك الفترة أقل بكثير من اليوم.
ومع ذلك، تظل بعض التفاصيل حاضرة تمامًا، يجب أن نصنع قائمة بها، سيكون من الصعب جدًّا اتّباع الترتيب الزمني، الزمن الذي طمس الوجوه محى أيضًا المعالم، تبقت بضع قطع من أحجية الصور منفصلة عن بعضها البعض إلى الأبد.
في إحدى الأمسيات من شهر نوفمبر أو ديسمبر، جئت لآخذ طفلًا اسمه بيير من مبنى في شمال غرب باريس لأُقله إلى المنزل، نسيت اسم الشارع. باب ضخم وواحد من تلك المصاعد ذات الأبواب الزجاجية، بطيء جدًّا وهادئ للغاية لدرجة أنك تتساءل عما إذا كان قد يتوقف بين طابقين. في غرفة كبيرة، لا بد أنها غرفة المعيشة، كان هناك نحو عشرة أطفال مجتمعين إلى طاولة منخفضة، وضعت عليها بقايا وجبة عيد ميلاد خفيفة. قادتني المرأة الأنيقة التي فتحت الباب إلى داخل الغرفة حيث كان يلعب بيير الورق مع صبي أشقر صغير تناديه المرأة "روني".
"صديقك يجب أن يغادر، روني... عليك أن تُودعه يا روني..."
ووجدنا أنفسنا على الرصيف.
في الخارج، كان الجو مظلمًا، أمسكت بيده. نعم، كان جميع الأطفال الموجودين في الشقة، زملاء له في فصل مدرسة ديترلان في الحي نفسه، حيث كنت أذهب أحيانًا لاصطحابه في نهاية فترة ما بعد الظهر، كان روني الصبي الأشقر الذي لعب معه الورق أثناء الاحتفال بعيد ميلاده، هو أفضل صديق له، قريبًا ستبدأ عطلة عيد الميلاد ويأمل أن نأخذه إلى السينما مع روني في هذه المناسبة.
الآن أصبحت لحظة من الماضي محفورة في ذاكرتك كشعاع ضوء يأتيك من نجم ظننته قد مات منذ فترة طويلة. بيير. حفلة عيد الميلاد الصغيرة. روني. بالطبع كان يذهب إلى السينما خلال عطلة عيد الميلاد، حتى أنني عرضت عليه اصطحابه إلى هناك إذا لم يكن لدى والدته الوقت، كنا نسير جنبًا إلى جنب في ذلك المساء، وكثيرًا ما كنا صامتين، لكن الرحلة كانت أقصر بكثير من تلك التي كنا نقطعها أحيانًا في فترة ما بعد الظهر من درس ديترلان.
أما عن باتريك موديانو
باتريك موديانو هو روائي فرنسي، حائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2014. كما حاز على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية للرواية سنة 1972، وجائزة غونكور سنة 1978. ألف أكثر من عشرين رواية، وطرح روايته الأولى ميدان النجم وهو في الثالثة والعشرين. حمل بعضها مأساة طفولته ومراهقاته، كما نقل مشاهد العديد من المصائر الإنسانية.



