تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكوميدي الكبير محمد كمال المصري الشهير باسم شرفنطح، أحد أبرز الوجوه التي صنعت البهجة في بدايات السينما المصرية، والذي كانت حياته مليئة بالمفارقات، تمامًا كما كانت أدواره على الشاشة.
بداية شرفنطح الفنية
بدأ شرفنطح حياته وفقا لما رصده موقع تحيا مصر بعيدًا عن الأضواء، مهرجًا في عروض بسيطة واسكتشات مسرحية، كان يدهَن وجهه بالدقيق، ويركب المقشة بالمقلوب ليُضحك الناس، في زمن كانت فيه الضحكة عملة نادرة. وفي عام 1919، حين أُغلق المسرح الذي كان يعمل به، حمل طموحه وذهب إلى نجيب الريحاني ليعرض عليه العمل في فرقته. لكن الريحاني رفضه في البداية، ما أشعل داخله روح التحدي.
وفي لحظة عناد فني خالدة، قرر أن يخلق لنفسه اسمًا ينافس "كشكش بيه" – الشخصية الشهيرة التي ابتكرها الريحاني – فاخترع اسمًا بلا معنى: شرفنطح، مزيج من الحروف لا يحمل دلالة، لكنه كان إعلانًا صريحًا للتحدي والإصرار على أن يكون له مكان بين الكبار.
شرفنطح ونجيب الريحاني
ورغم الخلاف، جمعت الأيام بينه وبين الريحاني مجددًا، ليتعاونا في أفلام خالدة مثل "سلامة في خير" و"سي عمر"، ويترك شرفنطح بصمته الكوميدية الفريدة التي جمعت بين المبالغة والعفوية والذكاء الشعبي.
لكن كما عرف الصعود والضحك، عرف أيضًا الخذلان والمرض والعزلة. أصيب شرفنطح بالربو، فتراجعت أدواره، وأدار له الوسط الفني ظهره. نصحه الأطباء بالتوقف عن التمثيل، فابتعد مجبرًا عن الأضواء. انهار بيته القديم وأصبح آيلًا للسقوط، فتدخل الجمهور البسيط — جمهور الضحك الذي أضحكه يومًا — ليرد الجميل ويتكفل بمصروفاته ومعيشته.
رحيل شرفنطح
وفي لحظة إنسانية مؤلمة، رحل شرفنطح وحيدًا دون زواج أو أبناء، كان يؤمن أن المجيء إلى الدنيا كان "غصبًا عنه"، لذلك رفض أن يُكرر ما وصفه بـ"الجريمة" في حق حياة أخرى، كان يحمل فكرًا فلسفيًا متأثرًا بـ أبو العلاء المعري وعبد السلام النابلسي، فاختار الوحدة طريقًا حتى النهاية.
وهكذا رحل شرفنطح، المهرج الفيلسوف، الذي بدأ حياته بالدقيق والمقشة، وصنع من اسمه رمزًا للضحك والمقاومة، وانتهى بها في صمت يليق برجل عاش على الهامش، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الفن المصري.













0 تعليق