تتجه أنظار العالم إلى القاهرة، حيث تستعد لكتابة فصل جديد فى سجل حضارتها العريقة بافتتاح المتحف المصرى الكبير، فى الأول من نوفمبر المقبل، خلال حفل أسطورى يليق بعظمة التاريخ المصرى ومكانة البلاد الحضارية.
هذا الصرح الثقافى العملاق ليس نتاج جهد وزارة واحدة، لكنه ثمرة تعاون وتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة، تحت إشراف مباشر من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الذى تابع عن كثب أدق تفاصيل المشروع، ويرفع تقاريره الدورية إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، لضمان خروج الافتتاح فى أبهى صورة أمام أنظار العالم.
وبينما يقترب الموعد المنتظر، تتواصل الاستعدادات لافتتاح المتحف، الذى يخبئ الكثير من المفاجآت، وعلى رأسها العرض الأول للمجموعة الكاملة لمقتنيات الملك الذهبى توت عنخ آمون فى مكان واحد، بما يمنح الزائرين تجربة فريدة لا مثيل لها.
ووصف الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، المتحف المصرى الكبير بأنه أحد أعظم المشروعات الثقافية والحضارية والسياحية التى أنجزتها مصر فى العصر الحديث، مؤكدًا أنه يُجسّد تتويجًا لجهود الدولة فى حماية وصون وعرض التراث المصرى وفقًا لأعلى المعايير العالمية.
وأضاف «إسماعيل» لـ«الدستور»: «جميع الجهات المعنية تعمل بروح الفريق الواحد وبإخلاص بالغ، لضمان خروج حفل الافتتاح بصورة تليق بمكانة مصر التاريخية، وتعكس ما تحقق من إنجازات على مدار سنوات طويلة من العمل الدءوب، ليصبح المتحف منارة ثقافية على خريطة المتاحف العالمية».
وأكد أن الاستعدادات الفنية والتقنية لحفل الافتتاح وصلت إلى مراحلها النهائية، وتشمل مراجعة شاملة لأنظمة التشغيل، مثل أنظمة مكافحة الحريق والمراقبة الذكية والإضاءة، والتجهيزات الخاصة بالعرض المتحفى لمقتنيات الملك توت عنخ آمون، إلى جانب أعمال الصيانة الدورية للقطع الأثرية.
وأفاد بأن المتحف المصرى الكبير يتكوّن من ٣ مناطق رئيسية للعرض، أبرزها قاعات كنوز الملك الذهبى توت عنخ آمون، التى تُعرض لأول مرة كاملة فى مكان واحد، بالإضافة إلى متحف مراكب خوفو، الذى يُعد إنجازًا علميًا وميدانيًا فى عمليات النقل والترميم.
وأضاف أمين المجلس الأعلى للآثار، أن المتحف يضم مركزًا متكاملًا للترميم، يحتوى على معامل متخصصة لفحص وترميم المواد الأثرية باستخدام أحدث التقنيات، ولن يقتصر دوره على الصيانة فقط، بل سيُشكّل مركزًا بحثيًا إقليميًا ودوليًا فى علم المصريات، علاوة على إطلاق مؤتمر عالمى سنوى من خلاله، يجمع نخبة من الخبراء والعلماء لمناقشة أحدث الاكتشافات والأبحاث فى هذا المجال.
أما الدكتور زاهى حواس، عالم الآثار المصرى البارز، فقال إن المشروع لا يُعد مجرد متحف، بل يمثل أكبر مؤسسة ثقافية يشهدها القرن الحادى والعشرون، مشيرًا إلى أن افتتاحه فى الأول من نوفمبر المقبل سيكون حدثًا عالميًا، يحضره قادة وزعماء من مختلف دول العالم.
وأضاف «حواس»: «هذا الافتتاح يحمل فى طياته مكاسب متعددة لمصر، أولها تأكيد حرص القيادة السياسية، ممثلة فى رئيس الجمهورية والحكومة، على صون التراث المصرى والحفاظ على حضارته العريقة».
وواصل: «الحفل المهيب يشكل مكسبًا سياسيًا بحضور كبار الشخصيات الدولية، إلى جانب المكسب الدعائى، إذ سيتابع الملايين حول العالم لحظة الافتتاح عبر المنصات المختلفة، ما يسهم فى الترويج للسياحة المصرية وخلق موجة جديدة من السائحين المحتملين»، مشيرًا إلى البُعد الاقتصادى للمتحف، سواء من خلال الإيرادات المباشرة التى ستدخل خزينة الدولة، أو من خلال العائد السياحى الناتج عن الزيارة.
وأكد عالم الآثار الشهير، أن العالم بأسره يترقب هذا الحدث، خاصة لما يحمله من مفاجأة فريدة، وهى عرض المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك توت عنخ آمون لأول مرة فى مكان واحد، ما يُعد من أبرز عوامل الجذب للمتحف، وأحد أسرار شهرته.
وأتم بقوله: «مقبرة الملك توت عنخ آمون تُعد المقبرة الملكية الوحيدة التى اكتُشفت كاملة، وتضم نحو ٥٣٩٨ قطعة أثرية، من بينها القناع الذهبى الشهير الذى يُعد أجمل قطعة أثرية فى العالم».
وكشف الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة رئيس «حملة الدفاع عن الحضارة المصرية»، عن أن من أبرز القطع الأثرية المعروضة فى المتحف المصرى الكبير كنوز الفرعون الذهبى توت عنخ آمون، وعلى رأسها القناع الذهبى الشهير الذى يزن نحو ٢٥ كجم من الذهب الخالص.
وأشار «ريحان» إلى عرض التابوت الذهبى الذى يبلغ وزنه ١١٠ كيلوجرامات، إلى جانب ٤ مقاصير ذهبية، و٣ أسِرة ملكية، و٤ عجلات حربية، ووشاح الملك الذى تم ترميمه باستخدام جهاز «ألترا سونيك» لترطيب النسيج بالبخار وفرده بدقة دون أن يتفتت، ويبلغ طوله نحو ٤.٨٠ متر.
وأضاف، أن من بين القطع اللافتة أيضًا كرسى الاحتفالات الشهير الذى عُثر عليه فى الممر المؤدى إلى المقبرة، والمقصورة الخشبية المذهبة الخاصة بالأوانى الكانوبية، فضلًا عن مجموعة من الحلى والمجوهرات والقلادات المصنوعة من الذهب والعقيق.
وواصل: «كرسى الاحتفالات يُعد نموذجًا فنيًا فريدًا من الدولة الحديثة، إذ يتميز بتطعيمه بالعاج والأبانوس والفيانس والذهب، ويظهر فى وسط ظهره قرص الشمس تعلوه الإلهة نخبت وهى تبسط جناحيها، بينما يزدان مسند القدمين بزخارف ورقائق ذهبية مرسوم عليها أعداء مصر التسعة».
ونبه إلى أن تصميم واجهة المتحف المصرى الكبير جاء متماشيًا مع موقعه الفريد أمام أهرامات الجيزة، إذ اتخذ شكل مثلثات تنقسم إلى مثلثات أصغر، فى تجسيد رمزى للأهرامات، مستندًا إلى نظرية رياضية لعالم بولندى حول التقسيم اللا نهائى للمثلث.
وبيّن أن الواجهة تتميز بطابع عصرى يحمل فى طياته عبق الحضارة المصرية، ويعكس دلالات تاريخية عميقة، إذ تم استخدام خامات مصرية أصيلة فى كسوتها، ليكون التصميم فريدًا ومبتكرًا ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا برموز الحضارة المصرية الأبدية.

















0 تعليق