إليا فرانك.. عالم روسي أضاء العالم باكتشاف إشعاع "تشرينكوف"

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1908، ولد العالم الفيزيائي الروسي إليا ميخائيلوفيتش فرانك، أحد العقول اللامعة التي غيرت فهم الإنسان للضوء والإشعاع والسرعة في عالم الفيزياء الحديثة، اشتهر باكتشافه مع زميليه بافل تشيرينكوف وإيغور تام لما يعرف اليوم باسم إشعاع تشيرينكوف (Cherenkov Radiation)، وهو الاكتشاف الذي منحه جائزة نوبل في الفيزياء عام 1958، وجعل اسمه منقوشًا في صفحات التاريخ العلمي العالمي.

البدايات والنشأة العلمية

ولد إليا فرانك في مدينة سانت بطرسبرج لأسرة مثقفة، فوالده كان فيزيائيًا يعمل في مجال التعليم، مما جعل العلم جزءًا من بيئة طفولته اليومية، أظهر منذ صغره نبوغًا في الرياضيات والعلوم الطبيعية، فالتحق بجامعة موسكو الحكومية حيث درس الفيزياء النظرية وتخرج فيها عام 1930 بتفوق لافت.

بعد تخرجه، التحق بالعمل في معهد لبدين لبحوث الفيزياء، وهو أحد أهم المراكز العلمية في الاتحاد السوفيتي، وهناك بدأ مشواره البحثي الطويل الذي امتد لأكثر من خمسة عقود، أضاء خلالها العالم بمعرفته واكتشافاته.

اكتشاف إشعاع "تشرينكوف".. الضوء الذي ولد من السرعة

في ثلاثينيات القرن العشرين، كان العلماء يلاحظون ظاهرة غريبة في المفاعلات النووية وفي المواد المشعة، حيث يظهر وميض أزرق غامض عندما تمر الجسيمات المشحونة في وسط مائي أو زجاجي، لم يكن أحد يعرف تفسير هذه الظاهرة، إلى أن جاء دور فرانك وزميليه بافل تشيرينكوف وإيغور تام.

من خلال سلسلة من التجارب الدقيقة، اكتشفوا أن هذا الضوء ليس نتيجة تفاعل كيميائي، بل ظاهرة فيزيائية تحدث عندما تسير الجسيمات المشحونة بسرعة تفوق سرعة الضوء داخل الوسط نفسه (وليس في الفراغ) عندها، تصدر تلك الجسيمات وميضًا ضوئيًا أزرق مائلًا إلى البنفسجي، يشبه إلى حد كبير موجات الصدمة الصوتية التي يسببها الطائرات الأسرع من الصوت، لكنه يحدث في الضوء لا في الصوت.

هذا الاكتشاف لم يفسر فقط لغز الظاهرة، بل فتح بابًا جديدًا أمام دراسة السرعات فوق الضوئية في المواد، ومهد الطريق لتطوير أجهزة الكشف عن الجسيمات النووية التي تستخدم حتى اليوم في فيزياء الجسيمات والمفاعلات النووية.

نوبل الفيزياء 1958.. تكريم مستحق

في عام 1958، أعلنت الأكاديمية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في الفيزياء لكل من بافل تشيرينكوف، إيجور تام، وإليا فرانك عن “اكتشافهم وتفسيرهم لإشعاع تشيرينكوف”. كان هذا التكريم تتويجًا لعقود من البحث الدقيق، واعترافًا عالميًا بإنجاز علمي أضاء درب الفيزياء الحديثة حرفيًا ومجازيًا.

مسيرة علمية غنية ومواقف إنسانية

لم يتوقف إليا فرانك عند حدود هذا الاكتشاف، بل واصل أبحاثه في مجالات الفيزياء النووية والبصريات، وأسهم في تدريب أجيال من العلماء الشباب في الاتحاد السوفيتي، تولى مناصب قيادية في عدد من المؤسسات البحثية، بينها معهد فيزياء النيوترونات، وكان معروفًا بشخصيته الهادئة المتواضعة، وبأنه يمنح تلاميذه الحرية في التفكير والابتكار.

كما كان يؤمن بأن العلم رسالة إنسانية، قائلًا في إحدى محاضراته:

“الضوء لا يضيء المختبر فقط، بل يضيء عقولنا حين نفهم أسراره.”

توفي إليا فرانك عام 1990 عن عمر ناهز 82 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والبحث المستمر، ولا تزال بصمته حاضرة حتى اليوم في كل مختبر يستخدم إشعاع تشيرينكوف في الكشف عن الجسيمات عالية الطاقة أو في أجهزة المراقبة النووية أو الطب الإشعاعي.

كان فرانك بحق عالم الضوء والسرعة، الذي مزج بين الدقة العلمية وجمال الفهم الفيزيائي، فحول ومضة زرقاء غامضة إلى قانون علمي يفسر أحد أعمق أسرار الكون.

وفي ذكرى ميلاده، يبقى إليا فرانك شاهدًا على أن الفضول العلمي قادر على أن يحوّل الظواهر الغامضة إلى معرفة تنير طريق البشرية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق