روشتة إنقاذ.. كيف تنافس المنتخبات الوطنية فى البطولات العالمية؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى زمن باتت فيه كرة القدم صناعة واستثمارًا أكثر منها مجرد لعبة، وأصبح خلف الـ٩٠ دقيقة كواليس عمل شاقة وجادة، تحولت المنتخبات إلى مرايا تعكس ما يُبنى فى العمق من رؤية وتخطيط واستثمار فى الإنسان قبل اللاعب.

وفى الجهة الأخرى من القارة، حيث تلامس رياح الأطلنطى جبال الأطلس، نهضت الكرة المغربية من سباتها، لا بالصدفة ولا بضربة حظ، بل عبر مشروع واضح المعالم طويل النفس، آمن بأن المجد لا يُشترى من الأسواق، بل يُزرع فى ملاعب الناشئين، ويُسقى فى أكاديميات تصنع الرجال قبل الألقاب.

أما فى مصر، صاحبة التاريخ الكروى الأعرق فى القارة، فما زال السؤال معلقًا بين الماضى والمستقبل: لماذا تأخرنا وما أسباب التأخر؟، ومَن المسئول عنه؟، وكيف يمكن أن نلحق بمن سبقنا؟، وهو ما نحاول أن نجيب عنه فى السطور الآتية. 

إسناد الأمور لأهلها والرقابة على الأكاديميات 

بوصولك هذه المرحلة سترى سوداوية الصورة وستشعر باليأس، وقد تعتقد أن كرة القدم المصرية قد ذهبت إلى حيث لا رجعة، لكن لا يجب إغفال الضوء الذى يبدو فى نهاية النفق، والحلول التى قد تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وأولها: إبعاد المسئولين عن كرة القدم المصرية فى وقتنا الحالى، واستبدالهم بآخرين قادرين على وضع خطط واضحة واستراتيجية طويلة المدى لتطوير كرة القدم المصرية. 

ومن المهم أن تكون البداية من قطاع الناشئين، مع تشكيل لجنة مختصة كاملة الصلاحيات لوضع تقييم شامل للأكاديميات الاستثمارية للناشئين، وفرض رقابة عليها، مع فرض شروط محددة وواضحة لمنح تراخيصها، وذلك على أسس علمية واضحة.

ثانيًا: بدء تأهيل المدربين علميًا لتطوير قطاعات الناشئين، وإبرام بروتوكولات تعاون مع مختلف الاتحادات العالمية للتعاون، وتكوين كوادر تدريبية كقاعدة أساس لنظام واضح يسمح بتراكم الخبرات وتولى الأجيال.

ومن الضرورى هنا وضع شروط صارمة تمنع أى نادٍ من تعيين مدير فنى فى مراحل الشباب قبل خضوعه لدورات الرخص التدريبية، وحصوله على رخصة تؤهله للعمل مع هذه المرحلة العمرية. 

أما الحل الثالث: فيتمثل فى إنشاء أكاديمية للناشئين تقوم على أساس علمى ومعرفى بالمرحلة السنية المستهدفة، وفتح باب اختبارات حقيقية قائمة على الموهبة الفطرية، والقابلية للتطور قبل أى شىء آخر، مع منح اللاعبين الصغار الدعم المعنوى والنفسى والمالى لتجهيزهم لمنتخبات مصر فى المراحل السنية، ومن ثم المنتخب الأول.

وهنا يجب إعادة النظر فى ملف مراكز الشباب، الذى أهمله المسئولون عن الرياضة المصرية، حتى اقتصر الأمر على منح هذه المراكز بضع طاولات للعبة تنس الطاولة وملاعب نجيل صناعى، رغم تقديم الدعم المالى لأندية تتجاوز ميزانيتها ملايين الجنيهات، وذلك دون وضع خطة أو هيكل تنظيمى بالتعاون مع اتحاد الكرة، لمراقبة الشباب فى أنحاء مصر وانتقاء المواهب لضمها لأكاديميات التطوير.

إهمال مواهب كرة القدم المصرية تركها فى مواجهة مصيرها، وفى مواجهة جشع الأكاديميات الاستثمارية، وفساد ومحسوبية مسئولى اتحاد الكرة وضعف إمكاناتهم، والأدهى أن كل هؤلاء المسئولين تصيبهم الصدمة مع كل فشل وإخفاق، كأنهم كانوا يتوقعون شيئًا مختلفًا، ليبدأو ابعدها دورة اجتماعات أخرى؛ لوضع خطة جديدة تقوم على المحسوبية والفهلوة والمجاملات، ليكون مصيرها محتومًا.. فشلًا جديدًا يلوح فى الأفق، ويحول دون تأسيس كرة قدم مصرية حديثة ومتطورة.

الكرة المغربية.. رحلة بدأت فى 2009 وأكاديمية متخصصة واحترافية لإعداد جيل من الموهوبين

قبل أن نجيب عن الأسئلة التى تشغل بال كل متابعى كرة القدم المصرية، لنناقش أولًا كيف نجح المغرب فى أن يضع نفسه بين كبار العالم فى هذه اللعبة؟ 

فى ٢٠٠٩ أنشأ المغرب أكاديمية محمد السادس، بهدف تطوير كرة القدم المغربية وإعداد جيل جديد من اللاعبين الموهوبين على أسس احترافية، مع الجمع بين التعليم الأكاديمى والتدريب الرياضى المتخصص. 

أكاديمية محمد السادس دأبت طوال السنوات الماضية على وضع حجر الأساس لنهضة الكرة المغربية، وبدأت بمراحل محددة، أولاها اختيار المدربين المؤهلين علميًا وفنيًا لتأهيل اللاعبين وتأسيسهم كرويًا، مع صقل معرفة وعلم أولئك المدربين بالدراسات الحديثة فى الرخص التدريبية.

وتعد أكاديمية محمد السادس نموذجًا يُحتذى به فى تكوين ناشئى كرة القدم، إذ تعتمد على رؤية واضحة واستراتيجية مبنية على أسس علمية دقيقة، تراعى خصوصيات كل فئة عمرية، وتمضى فى تنفيذ أهدافها بخطى ثابتة ومنهجية مدروسة، ما يجعلها من أبرز مراكز تطوير المواهب فى المنطقة.

فى الأكاديميات الكروية عمومًا، تكون الخطوة الأولى استكشاف المواهب وتوظف الأندية كشافين يجوبون مباريات الشباب ومباريات المدارس والمسابقات المحلية، حتى مباريات كرة القدم فى الشوارع أحيانًا، ويبحثون عن أى لاعب يتمتع بموهبة فطرية ومهارات فنية جيدة، مع سرعة فى اتخاذ القرارات، والأهم من ذلك أخلاقيات عمل جيدة.

ويتيح بعض الأكاديميات التسجيل المفتوح لأى لاعب وإظهار مهاراته مع النادى، فيما تعمل أندية أخرى على تنسيق جهودها لجذب المواهب والعثور على أطفال لديهم هامش التطور فى المستقبل.

ويبدأ الكشف عن المواهب الصغيرة فى سن السادسة أو السابعة، وهى الفترة التى تظهر خلالها المواهب الفطرية للأطفال، والتى يمكن تنميتها خلال السنوات التالية. 

فى منظومة الاتحاد المغربى لكرة القدم، التى تعمل بطريقة مؤسسية عبر خلايا عمل، من ضمنها أكاديمية محمد السادس، فإن اللاعب من بعد إتمام مراحل التأهيل، إما أن ينتقل إلى نادٍ محلى فى الدورى المغربى، وتتواصل متابعته لضمه لمنتخبات الشباب والفئات العمرية، أو يتم إرساله للخارج للمشاركة فى تجربة احتراف مع أحد الأندية الأوروبية، وذلك فى شراكات رسمية مع الأندية تحت إشراف الاتحاد. 

ووقتها يتم تسويق اللاعبين أوروبيًا باتفاقيات رسمية مع أندية أوروبية، مع انضمام اللاعب لمعسكرات وتجارب تقييمية ومتابعة دقيقة؛ لحين حصوله على الفرصة المناسبة. 

فى بعض الأحيان يتنقل أحد اللاعبين بين الأندية المغربية قبل الاحتراف فى أوروبا، فيما يسمى بـ«مرحلة الجسر»، التى يُمنح خلالها اللاعب وقتًا للتأقلم مع ضغط المباريات والمستوى العالى تدريجيًا.

المجاملات وانعدام التخطيط.. الأسباب الحقيقية وراء فشل منتخبات الشباب

برزت خلال السنوات الأخيرة فى سماء الكرة المصرية ظاهرة مرت على كثيرين مرور الكرام، دون أن تلقى ما تستحقه من تدقيق أو مساءلة، وهى تفشى الأكاديميات الخاصة للناشئين ذات الطابع الاستثمارى، وهذه الأكاديميات التى باتت تنتشر فى أغلب الأندية المصرية تحولت من مراكز يُفترض بها تطوير المواهب إلى كيانات تجارية، هدفها الأول تحقيق الربح لا صناعة لاعب كرة قدم حقيقى. ويُلاحظ أن بعض القائمين على الأكاديميات الكروية بات يركز بشكل أساسى على الجانب الربحى، مستغلًا طموحات أولياء الأمور الذين يحلمون برؤية أبنائهم فى مصاف النجوم، على غرار محمد صلاح. 

وفى ظل غياب رقابة فعالة، تتحول هذه الأكاديميات أحيانًا إلى مشاريع تجارية أكثر منها مراكز حقيقية لصقل المواهب وتطويرها. وقد أسهم تساهل اتحاد كرة القدم المصرى مع الأكاديميات الاستثمارية وفتح الباب أمام مشاركتها فى مسابقات الفئات السنية فى الإضرار الجسيم بمستقبل كرة القدم المصرية، إذ بات المبدأ السائد داخل هذه الأكاديمية واضحًا وصادمًا: مَن يدفع أكثر يجد لابنه مكانًا داخل الملعب، وهكذا دُفنت المواهب الحقيقية وسط مزايدات لا تعترف إلا بالقدرة المالية، لا بالموهبة ولا الجدارة. الأمر الثانى أن أحد أهم أدوار اتحادات كرة القدم، وضع خطة ورؤية طويلة المدى لتطوير الناشئين؛ بداية من سن السابعة حتى تأهيل اللاعبين للصعود للفريق الأول، ووضع أهداف واضحة واستراتيجية طويلة المدى، وتنظيم بطولات ومسابقات رسمية للمراحل السنية المختلفة، وتدريب وتأهيل المدربين ومنحهم الرخص التدريبية وصقل خبراتهم بالعلم والمعرفة، مع تمويل مشاريع بناء أكاديميات ناشئين للمنتخبات، والعمل مع الجهات الحكومية والخاصة لتطوير الملاعب ومراكز التدريب، ودعم اللاعبين. كل هذه الأدوار أهملها الاتحاد المصرى لكرة القدم، وأصبح مسئولًا عن إدارة الخلافات بين الأندية على تأجيل المباريات، ومجاملات المدربين فى هذه الأندية، وكأنه مسئول فقط عن المواءمات والمقاربات بين الأندية وبعضها بعضًا، ومشغول بالصراعات الداخلية بينها ومحاولة كل منها فرض رأيه، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت صناعة كرة القدم المصرية فى السنوات الماضية تربة خصبة لمجاملة الأصدقاء، وتحويل اللاعبين المعتزلين لمدربين بعصا سحرية، بعد أيام قليلة فقط من تعليق الحذاء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق