أكد الكاتب السوداني ورئيس تحرير جريدة أفق السودانية عثمان فضل الله، أن الرؤية المصرية لإيقاف الحرب في السودان، والتي لا تنفصل عن ما حواه بيان دول الرباعية (مصر، الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات)، تبدو أقرب إلى خارطة طريق تدريجية تستند إلى مقاربة واقعية تراعي تعقيدات الميدان وتشابك مصالح الأطراف الإقليمية والدولية.
جوهر هذه الرؤية بوقف انساني لاطلاق النار في السودان
وأوضح فضل الله في تصريحات خاصة لـ “الدستور”، أن جوهر هذه الرؤية يقوم على البدء بوقفٍ إنساني لإطلاق النار، يتيح إدخال المساعدات العاجلة وحماية المدنيين، على أن يتبعه مسار سياسي شامل يضم أوسع طيف من القوى الوطنية السودانية، دون إقصاء، بما يمهد لإطلاق عملية تفاوضية تتناول جذور الأزمة لا مظاهرها فقط.
وأشار إلى أن هذه الرؤية وجدت دعمًا من معظم الفاعلين السياسيين في الداخل السوداني، ممثلين في الكتل والقوى الرئيسية التي باتت تدرك أن استمرار الحرب يعني انهيار الدولة ومؤسساتها، في المقابل، رفضت الحركة الإسلامية المقترح المصري-الرباعي، معتبرةً أنه يقيّد موقفها الميداني ويمنح خصومها مساحة سياسية لا تستحقها من وجهة نظرها.
وأضاف فضل الله أن دول الرباعية تتقاطع مصالحها حول ضرورة تثبيت الاستقرار ومنع تفكك السودان، لكنها تختلف في تفاصيل التنفيذ وموازين النفوذ داخل العملية السياسية المقبلة، إذ تسعى كل دولة إلى ضمان موطئ قدم مؤثر في مستقبل المرحلة الانتقالية.
فبينما تركز القاهرة على وحدة الدولة ومؤسساتها الأمنية، تميل الرياض وأبوظبي إلى الدفع نحو تسوية سياسية شاملة تفتح الباب لإعادة الإعمار، في حين تضع واشنطن ثقلها خلف إصلاحات هيكلية في السلطة المدنية والأمنية معًا.
ورغم ما وصفه فضل الله بـ"التوافق النسبي" بين هذه القوى، إلا أن فرص نجاح الرباعية في إقناع الأطراف السودانية بالعودة إلى طاولة المفاوضات ما تزال محدودة، في ظل انعدام الثقة، وتصلب مواقف القوتين المتحاربتين، وضعف الضغط الدولي الفعلي القادر على فرض التزامات واضحة على الطرفين.
وأشار إلى أن الزخم الإقليمي والتحركات الأخيرة في القاهرة وبورتسودان قد تمثل بداية مسار يمكن أن يقود إلى هدنة قابلة للصمود، تمهد لتفاهمات سياسية لاحقة إذا ما تم الالتزام بها بحسن نية.
وقال إن السيناريو الأكثر ترجيحًا، في حال نجاح الهدنة، هو الانتقال نحو ترتيبات سياسية أوسع تحت إشراف دولي وإقليمي مشترك، تُمهِّد لتشكيل سلطة انتقالية مدنية تتولى إدارة الملفات الحساسة، وفي مقدمتها العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري.
وأضاف أن ملف إعادة الإعمار سيظل مرهونًا بوقف دائم للحرب، مشيرًا إلى توجه لعقد مؤتمر دولي للمانحين تتصدره دول الخليج ومؤسسات التمويل الدولية، شريطة وجود حكومة انتقالية موثوقة وآليات شفافة تضمن إدارة الموارد بعدالة، ومنع تكرار التجارب السابقة التي أهدرت المساعدات وأضعفت الثقة الدولية.
وختم فضل الله تصريحه بالقول إن الرؤية المصرية تمثل اليوم الإطار الأكثر واقعية في ظل تعثر المبادرات الدولية، لأنها تنطلق من فهم عميق لبنية الدولة السودانية وتشابكات الصراع فيها، مع مراعاة هواجس الأمن الإقليمي ومصالح الجوار، ومع أن الطريق ما يزال طويلًا، فإن أي اختراق أولي في ملف الهدنة سيشكل نقطة تحول يمكن البناء عليها للوصول إلى تسوية سياسية شاملة تعيد للسودان توازنه واستقراره المفقود.
0 تعليق