'' مات تاجر الموت''.. حكايات عن ألفريد نوبل في ذكرى ميلاده

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

البداية.. طفل مولع بالعلم والتجريب

 

في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1833، ولد ألفريد برنارد نوبل في العاصمة السويدية ستوكهولم، وسط أسرة ميسورة الحال تهتم بالعلم والاختراع، كان والده إيمانويل نوبل، مهندسًا ومخترعًا لامعًا عمل في تصميم المعدات الميكانيكية، ووالدته كارولينا أندريتا امرأة ذكية وقوية ساعدت في تربية أبنائها على الاجتهاد وحب التعلم.

منذ صغره، أظهر ألفريد شغفًا غير عادي بالعلوم الدقيقة، خاصة الكيمياء والفيزياء، وكان يقضي ساعات طويلة في قراءة الكتب العلمية وتجريب المواد الكيميائية في معمل صغير بمنزل أسرته، وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، انتقلت الأسرة إلى روسيا حيث أسس والده مصنعًا للأسلحة البحرية، وهناك أتيحت لألفريد فرصة التعرف على أحدث التقنيات الصناعية والعلمية في أوروبا.

ccf236ac48.jpg

رحلات العلم وتكوين العقل المخترع

 

لم يكتف نوبل بالتعليم المحلي، فسافر في شبابه إلى فرنسا والولايات المتحدة وإنجلترا ليعمق معارفه في الكيمياء والهندسة في باريس، تتلمذ على يد العالم الإيطالي تيودور دي روما، وهناك تعرف على مادة النيتروغليسرين شديدة الانفجار، أثارت هذه المادة اهتمامه الشديد، فبدأ يبحث عن طريقة لجعلها أكثر أمانًا في الاستخدام الصناعي.

كانت تلك التجارب نقطة التحول في مسيرته، لكنها أيضًا السبب في مأساة لاحقة، إذ انفجر أحد معامل أسرته أثناء تجارب النيتروغليسرين، ما أدى إلى وفاة شقيقه الأصغر "إميل"، وهو الحدث الذي ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ورغم ذلك لم يتوقف نوبل، وواصل بحوثه حتى نجح عام 1867 في اختراع الديناميت، الذي أحدث ثورة في مجالات البناء والتعدين وشق الطرق.

17125ad75e.jpg

اختراع غير العالم وأثقل ضميره

 

رغم أن الديناميت سهل أعمال البناء والتعدين وقلل من مخاطر الحفر اليدوي، إلا أنه سرعان ما استخدم في الحروب والدمار، ومع مرور الوقت، أصبح اسم نوبل مرتبطًا بالعنف، حتى أن إحدى الصحف الفرنسية نشرت بالخطأ نعيه بدلًا من نعي شقيقه، تحت عنوان “تاجر الموت مات”، وجاء في المقال: “هو الرجل الذي جنى ثروته من اختراع وسائل قتل عدد أكبر من البشر أسرع من أي وقت مضى”.

أثّر هذا النعي المفاجئ في نوبل بعمق، فبدأ يراجع نفسه ويفكر في الطريقة التي يمكن أن يخلد بها اسمه كرمز للخير والسلام، لا للحرب والدمار، ومن هنا ولدت فكرة جوائز نوبل.

906.jpg

ولادة جائزة نوبل.. إرث الخير والخلود

 

في عام 1895، قبل عام من وفاته، كتب ألفريد نوبل وصيته الأخيرة في باريس، وجاء فيها أنه يخصص معظم ثروته لتأسيس جوائز سنوية تمنح لمن يقدم إنجازات بارزة تخدم الإنسانية في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام.

وبعد وفاته في 10 ديسمبر 1896 في مدينة سان ريمو بإيطاليا، تم تنفيذ وصيته، لتمنح أول جوائز نوبل عام 1901. ومنذ ذلك الحين أصبحت الجائزة من أرفع الأوسمة في العالم، تقدم للأفراد والمؤسسات التي تسهم في نشر العلم والثقافة وتعزيز قيم الإنسانية والسلام.

907.jpg

بين الديناميت والسلام.. دروس من حياة نوبل

 

تجسد حياة ألفريد نوبل مفارقة إنسانية نادرة: رجل صنع أدوات التفجير، لكنه أراد أن يختم حياته بنشر السلام، لقد أدرك أن الخطأ ليس في الاختراع ذاته، بل في الطريقة التي يستخدم بها الإنسان العلم، ومن خلال وصيته، قدم للعالم درسًا خالدًا في التكفير عن الذنب وتحويل الطاقة السلبية إلى قوة بناءة.

اليوم، لا يذكر نوبل كمخترع فحسب، بل كرمز للعطاء والخلود الإنساني، واسمه ارتبط في الوعي العالمي بكل من يسعى لخدمة البشرية في شتى المجالات، لقد أثبت أن الضمير العلمي قادر على تصحيح مسار التاريخ، وأن الإرث الحقيقي لا يُقاس بما نملكه، بل بما نمنحه للعالم من نور وسلام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق