تأتى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى أكد فيها أن «مصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام التصرفات الإثيوبية غير المسئولة» فيما يخص ملف السد الإثيوبى، لتشكل نقطة تحول واضحة فى الخطاب المصرى تجاه أزمة تمس شريان الحياة لأكثر من مائة مليون مصرى.
هذه الكلمة التى أُطلقت فى سياق يزداد تعقيدًا مع استمرار الملء الأحادى للسد وإدارته «غير المنضبطة» التى أضرت بدولتى المصب مصر والسودان، ليست مجرد تصريح سياسى عابر، بل هى رسالة حزم ووضوح تضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته، وتؤكد أن الأمن المائى المصرى ليس ترفًا، بل قضية وجودية.
إن اختيار توقيت هذا التصريح، بالتزامن مع فعاليات دولية كبرى مثل أسبوع القاهرة للمياه، لم يكن مصادفة. فمن خلال هذا المنبر، عرضت مصر الأدلة على الضرر الفعلى الذى لحق بها وبالسودان جراء الإدارة الإثيوبية المتفردة. هذا الضرر لم يعد مجرد تخوفات مستقبلية، بل أصبح حقيقة ملموسة تثبت صحة الموقف المصرى المطالب بضرورة وجود اتفاق قانونى ملزم، ومضمون. والكلمة تركز حول عدة محاور أساسية، هى التأكيد أن نهر النيل هو مصدر المياه الوحيد لمصر بنسبة تتجاوز ٩٨٪، وأن المساس به هو تهديد مباشر لاستقرار ووجود الشعب المصرى.
وكذلك الرفض القاطع لأى إجراءات أحادية تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية وتهدد مصالح شعوب حوض النيل. وهذه رسالة واضحة بأن سياسة الأمر الواقع التى تتبعها إثيوبيا مرفوضة دوليًا ومصريًا.
وحملت كلمة الرئيس الإشارة إلى سنوات التفاوض المضنية التى اتسمت بالحكمة والرصانة، وتؤكد أن المسار الدبلوماسى الذى اتبعته مصر لم يكن ضعفًا أو تراجعًا، بل تعبير عن قوة الموقف وإيمان عميق بالحل السلمى القائم على التعاون والتوازن بين الحقوق والواجبات.
ثم إن تعبير الرئيس السيسى «لن تقف مصر مكتوفة الأيدى»، هو التعبير الأقوى الذى يحمل فى طياته دلالة الجاهزية التامة لاتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية المصالح والأمن المائى المصرى. هذه العبارة هى إعلان عن انتهاء مرحلة الصبر المطلق والدخول فى مرحلة تتطلب إجراءات فعالة لمواجهة الصلف الإثيوبى.
ولم تكتفِ الكلمة بتوجيه رسالة إلى الجانب الإثيوبى، بل وجهت نداءً صريحًا إلى المجتمع الدولى والقارة الإفريقية بصفة خاصة. إن الدعوة إلى مواجهة مثل هذه التصرفات الإثيوبية المتهورة تحمل فى طياتها تحميل المسئولية عن استقرار المنطقة إلى المنظمات الدولية والإقليمية. ومصر تدعو إلى العمل المشترك لضمان تنظيم تصريف المياه من السد فى حالتى الجفاف والفيضان، وذلك فى إطار اتفاق يحقق التوازن بين التنمية المشروعة لدول المنبع وعدم الإضرار بدولتى المصب.
إن التعبير عن التزام مصر بأن يكون الماء جسرًا للتعاون.. لا ساحة للصراع، ومصدرًا للأمل، يلخص الرؤية المصرية للحل وهو توقيع اتفاق قانونى ملزم يحول هذا المورد الحيوى من مصدر توتر إلى قاطرة للتنمية الإقليمية المشتركة.. وحماية للأمن القومى.
فى ضوء التصريح الرئاسى، يصبح المشهد المصرى أكثر وضوحًا. ففى حال استمرار إثيوبيا فى نهجها الأحادى، فإن مصر ستجد نفسها مضطرة لتفعيل كل التدابير التى أشار إليها الرئيس السيسى. هذه التدابير قد تتراوح بين تصعيد الملف دوليًا فى مجلس الأمن والمحافل القانونية الدولية، وتعزيز آليات التعويض والحماية المائية داخليًا، وصولًا إلى خيارات أخرى يتم الاحتفاظ بها كحق أصيل للدولة فى حماية أمنها القومى وحياة مواطنيها.
وتعكس كلمة الرئيس السيسى تحولًا فى استراتيجية التعاطى مع الأزمة. ولم تعد مصر تكتفى بالدعوة إلى التفاوض وحسب، بل أصبحت ترسم خطوطًا حمراء واضحة لا يمكن تجاوزها، وتؤكد أن الأمن المائى المصرى هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، وحمايته واجب مقدس، لن يترك للظروف أو للتصرفات غير المسئولة التى تنتهك حقوق دول المصب وتتجاهل قواعد القانون الدولى والأعراف النهرية المستقرة. فمصر لن تقف مكتوفة الأيدى، بل ستتخذ ما يلزم لحماية حقها الأبدى فى مياه النيل.
0 تعليق