
لا توجد رحلة فنية ناجحة خالية من العثرات، فخلف كل نجم يملأ الشاشات والقلوب اليوم، قصة قديمة عن لحظة فشل كادت أن تُنهي كل شيء قبل أن يبدأ، لحظة شَكّ، أو تجربة قاسية، أو حكم جائر على الموهبة قبل أن تنضج، لكن القاسم المشترك بين هؤلاء الفنانين هو أنهم لم يسمحوا لتلك السقطات أن تُحبطهم، بل حوّلوها إلى بداية مختلفة، أساس متين صلبوا فوقه مجدهم الشخصي والفني.
عمرو دياب ولقب «المطرب العجالي»
البداية مع النجم الكبير عمرو دياب، الذي واجه في أولى خطواته الفنية ما يمكن اعتباره درسًا قاسيًا في الظهور العام، في حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي عام 1983، صعد دياب الشاب إلى المسرح ببدلة بيضاء غير متناسقة، فاستقبله الجمهور بالسخرية، وخرج من الحفل بلقب "مطرب العجالي" في الصحافة الفنية، تلك الليلة، بحسب ما حكى لاحقًا، كانت نقطة انكسار مؤلمة، لكنه لم يستسلم، وبدلاً من الانغلاق على الألم، قرر أن يعمل أكثر، ويطوّر صوته، ومظهره، واختياراته، ليصعد تدريجيًا إلى أن أصبح "الهضبة" وصوت جيل كامل.
رشدي أباظة، الذي أصبح أحد أعمدة السينما المصرية، عاش بداية فنية صعبة لم تُعد للوهلة الأولى مؤهلة لأسطورة. بعد أول فيلم له عام 1948، «المليونيرة الصغيرة»، لم يكن التألق على موعد معه؛ إذ شهدت الأفلام التالية إخفاقات واضحة، من بينها فيلم «امرأة من نار» (1950)، الذي كان من إخراج المخرج الإيطالي فرينتشو، الفيلم لم يلق رواجًا بين الجمهور أو النقاد، مما شكّل نقطة انعطاف قوية في مسيرة أباظة. الإخفاق دفع به للسفر إلى إيطاليا ومحاولة التوقف عن التمثيل لثلاث سنوات، قبل أن يعود بتجربة مُعاد بناؤها من خلال دراسة التمثيل عمليًا، ثم تحقيق أول نجاح حقيقي عبر فيلم "مؤامرة" (1953) مع كمال الشيخ، هذا الفشل، الغني بالدروس، شكّل نقطة التحول التي صقلته قبل أن يصبح "فتى الشاشة الأول".
قصة أحمد زكي مع التنمر
ولعلّ من أكثر حكايات الفشل الفني شهرة وتأثيرًا، التي يرصدها موقع تحيا مصر ما عاشه أحمد زكي في بداياته، حين خُدع في لحظة حلم، كان مرشحًا لأداء دور البطولة في فيلم "الكرنك" أمام سعاد حسني، لكنه استُبعد في اللحظات الأخيرة من قبل صناع الفيلم، بحجة أن "شكله مش سينمائي"، وعن تلك الواقعة أكد أحمد زكي في أحد لقاءاته أن المنتج برر رفضه كونه "أسود وشعره أكرت وشكله وحش.. إزاي ده يحب سعاد حسني.. وصمم إنهم يجيبوا حد مكاني"، ولم يكن الأمر سهلاً على شاب شديد الحساسية، يراهن على موهبته لا شكله، لكنه لم ينكسر. حمل هذا الإقصاء في داخله كجرح مفتوح، ثم حوله إلى طاقة أداء غير مسبوقة، ليصبح لاحقًا الممثل الأكثر تأثيرًا في تاريخ السينما المصرية، بلا منازع.
تعرض محمد رمضان للرفض ورسوب أحمد حلمي
ومع جيل الشباب، تزداد حكايات الفشل المبكر إلهامًا، الممثل والمطرب محمد رمضان، المعروف اليوم بأدواره الناجحة، واجه في بدايته موقفًا صعبًا حين حاول دخول المسرح لمقابلة الفنان سعيد صالح وهو مراهق في الـ16 من عمره، فمُنع من الدخول، وعندما تحدى الأمن ودخل خلسة، سأله صالح: "إنت مين؟"، لكنه مع ذلك منحه فرصة صغيرة في مسرحية "قاعدين ليه"، ربما كانت تجربة مُهينة في لحظتها، لكنها كانت أول باب فُتح له على طريق لا يزال يسير فيه بثقة وإصرار.
وقبل أن يصبح أحمد حلمي نجمًا كوميديًا موسوعيًا، واجه تحديًا كبيرًا أبكر في حياته: فقد رسب 3 مرات في الثانوية العامة، وحصل على نسبة 48 % فقط، إذ وجد صعوبة في التأقلم بين المناهج السعودية والمصرية، خصوصًا في مادة الرياضيات، لم يكن هذا الفشل نهاية مساره، بل بدايته نفسها، اختار حلمي إلى جانب موهبته في الرسم أن يدرس في كلية التربية الفنية بعد ذلك، وهو ما فتح له الباب للدخول إلى معهد الفنون المسرحية وقامته الفنية، رحلة تعد مثالاً حيًّا على أن خطأ يحدث منذ البداية لا يحدد النجاح النهائي، بل يمكن أن يكون المحفز الأول لكل إنجاز لاحق.