بعد اثني عشر يوماً من التصعيد العسكري العنيف بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين. إلا أن هذا الإعلان، الذي بدا في ظاهره خطوة نحو التهدئة، فجّر عاصفة من الجدل السياسي والدستوري داخل الولايات المتحدة، وعكس الانقسام العميق في الكونغرس، وأعاد فتح ملفات السيادة، والتدخل الرئاسي، وحدود السلطة التنفيذية.
خلفية الحرب: تصعيد غير مسبوق
بدأت الحرب بهجمات متبادلة شملت استهداف منشآت نووية ومواقع عسكرية، تخللتها ضربات أميركية مباشرة على مواقع إيرانية. وردت طهران على إحدى الضربات بقصف قاعدة "العديد" في قطر بصواريخ باليستية، مع تحذير مسبق حال دون وقوع خسائر بشرية، ما اعتُبر رسالة قوة محسوبة من طهران.
ورغم شدة التصعيد، لم تسفر الحرب عن مواجهات برية واسعة، بل ظلت تدور في دائرة الحرب السيبرانية والهجمات الجوية الدقيقة، في سياق أشبه بـ"استعراض إرادات استراتيجية" أكثر من كونه غزواً شاملاً.
الهدنة: ترمب يتوسط والإيرانيون يردون
أعلن ترمب وقف إطلاق النار عبر منصة "تروث سوشيال"، مشيراً إلى أن الطرفين "قالا سلام"، وأن العالم أصبح على أعتاب مستقبل مزدهر. وفي الخلفية، كشفت مصادر بالبيت الأبيض أن الوساطة شملت محادثات مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما تولى نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومبعوث السلام ستيف ويتكوف، إجراء اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الإيرانيين.
شروط الاتفاق تمثلت في التزام إيران بوقف الهجمات، مقابل وقف إسرائيل عملياتها العسكرية، وهو ما أعلنت تل أبيب قبولها به، معتبرة أنها حققت هدفها في تحييد التهديد النووي والصاروخي الإيراني. أما إيران، فاقتصرت ردودها الرسمية على الصمت، ما ترك علامات استفهام بشأن موقفها الحقيقي من الهدنة.
الداخل الأميركي: انقسام دستوري وسياسي
ما أن أُعلن الاتفاق حتى بدأت عاصفة من الانتقادات داخل الكونغرس، خصوصاً من الديمقراطيين الذين اتهموا ترمب بتجاوز صلاحياته الدستورية وخوض حرب دون تفويض من الكونغرس. النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز دعت إلى عزل ترمب بسبب ما وصفته بـ"قرار غير دستوري"، فيما عبّر آخرون عن قلقهم من غموض مصير البرنامج النووي الإيراني.
في المقابل، سارع الجمهوريون إلى الاحتفاء بالاتفاق واعتباره نصراً دبلوماسياً وعسكرياً مزدوجاً. وبلغ الحماس بالبعض حد المطالبة بمنح ترمب جائزة نوبل للسلام، واصفين إياه بـ"أعظم عبقري في السياسة الخارجية". وأشاد رئيس مجلس النواب مايك جونسون بمبدأ "السلام من خلال القوة"، في إشارة إلى السياسة التي انتهجها ترمب خلال المواجهة.
مع ذلك، لم يخلُ المشهد الجمهوري من أصوات أكثر تحفظاً، إذ أشار النائب توماس ماسي إلى أن وقف إطلاق النار كان يمكن تحقيقه بطرق أكثر توافقاً مع الدستور، ما يعكس تبايناً حتى داخل المعسكر المحافظ بشأن نهج ترمب.
أبعاد ما بعد الحرب: اتفاق هش وتحالفات متحركة
الهدنة المعلنة تبقى، حتى اللحظة، هشة وغير مضمونة الاستمرار، خاصة في ظل غياب تصريح واضح من القيادة الإيرانية. فبينما أعلنت إسرائيل أنها "أزالت تهديداً وجودياً مزدوجاً"، لم يصدر من طهران سوى إشارات ضمنية على القبول، وسط صمت يفتح المجال للتكهنات حول نواياها المستقبلية.
الأزمة كشفت أيضاً عن تحولات استراتيجية في التحالفات الإقليمية، بعد أن أشارت تقارير إلى تنسيق مسبق بين إيران وقطر قبل قصف قاعدة "العديد"، في ما بدا محاولة إيرانية لتجنب التصعيد مع الأميركيين، أو على الأقل لتقديم الهجوم في إطار الرد الرمزي غير التصعيدي.