الزعم بأن إيران أبلغت قطر التي بدورها أخطرت الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم على قاعدة "العديد" يُستخدم غالبًا لتصوير الرد الإيراني كـ"مسرحية" أو خطوة رمزية، غير أن هذا الطرح يبدو مبنيًا على تأويل منحاز يُغفل حقيقة التوازنات السياسية والعسكرية الدقيقة في المنطقة، ويحاول النيل من ما يعتبره البعض وقفة "ندية تاريخية" لإيران في مواجهة هيمنة الولايات المتحدة، وما يُطلق عليه في الخطاب السياسي الإيراني "إمبراطورية الشر"، بالإضافة إلى الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة، إسرائيل.
في واقع الأمر، تشير التقارير إلى أن إيران أبلغت قطر، الدولة التي تحتفظ بعلاقات متوازنة مع طهران، بنيّتها توجيه ضربة عسكرية، وذلك بهدف تجنّب وقوع إصابات أو خسائر للطرف القطري. ويُفهم من ذلك حرص إيراني على الحد من توسع دائرة المواجهة أو استهداف جهات غير معنية مباشرة بالنزاع. وقد أغلقت قطر على إثر ذلك مجالها الجوي مؤقتًا، وأبلغت الولايات المتحدة بما توافر لديها من معلومات، إلا أن ذلك لم يمنع وقوع الضربة التي مثّلت ـ سياسيًا ومعنويًا ـ إحراجًا للولايات المتحدة، خصوصًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حاول التقليل من شأن الهجوم بوصفه "ضعيفًا"، بل وذهب إلى شكر إيران على إبلاغها المسبق، في محاولة لحفظ ماء الوجه وتبرير رغبته في وقف إطلاق النار دون أن يُتهم بالضعف أو التراجع.
ضربات إيران الموجعة
من جهة أخرى، فإن موافقة إسرائيل على الهدنة لم تأتِ من موقع القوة، بل نتيجة لضربات شديدة تسببت في دمار لوجستي ونفسي كبير، استنزفت منظومة الدفاع الجوي، وفرضت على السكان اللجوء إلى الملاجئ لفترات طويلة، مما شلّ الحياة اليومية في مناطق واسعة. ولم يكن المشهد ورديًا كما حاولت بعض الأطراف تصويره، بل أتى في لحظة اضطرار قصوى، دفعت القيادة الإسرائيلية إلى القبول بوقف إطلاق النار.
اللافت أن إيران، وقبل سريان اتفاق الهدنة، أوفت بما وعدت به بأن تكون الرصاصة الأخيرة لها ذات أثر واضح، إذ قصفت بصواريخ دقيقة بئر السبع وشمال فلسطين المحتلة، ما أسفر عن قتلى ودمار واسع، وهو تطور لا يمكن وصفه بــ"المسرحية" بحال من الأحوال، بل يمثّل تصعيدًا حقيقيًا ذا أبعاد استراتيجية.