محاولة للإمساك بطائر

محاولة للإمساك بطائر
محاولة
      للإمساك
      بطائر

جلست وكل حواسى تراقبه، وهو يظهر ثم يختفى، ليس كمثله طائر. بدا الفضاء مليئًا بكل أنواع الطيور. فصائل تختلف فى النوع، رغم هذا فكل نوع قَل أن تحدد فروقًا بين آحاده. وحده بدا جميلًا، مسيطرًا على الفضاء وفريدًا. تعودنا اصطياد الطيور للاستهلاك، لكن هذا الطائر سيكون زادًا لكل من ينظر إليه، سيكون عشاقه ومريدوه، ربما لا يحصيهم عددًا. قد يشكك البعض لو حدثتهم، ويرون أننى خيالى، أخلع أوهامًا ليس لها مرجعية إلا عندى، رغم هذا أنا أعذرهم، ولن ألفت أنظارهم إليه، إلا لو صار معى.

لا أعرف كيف انضمَ لسربه؟ ربما له قصة مجهولة، أو طفرة وراثية، أو هجين.....

على كل حال أنا صرت أخاف أن يغادر السرب؛ فيرحل معه، ويتعرض لمخاطر الرحلة، أو يقع فريسة فى شباك من لا يقدر قيمته. 

تابعته كثيرًا، هو لا يحط على الأرض أبدًا، إما أنه محلق فى الفضاء، أو هو واقف على أعلى قمةٍ لشجرة ما، ربما يطمئننى هذا ويجعلنى أستبعد احتمال وقوعه فى الشباك، على كل حال هذا ما يجعل الإمساك به صعبًا بالنسبة لى. فهو ليس غريب الشكل فقط، لكنه غريب المضمون. لكن ماذا إن أُغرِىَ؟ أو غُرِّر به؟

صار كل همى فى الفترة الأخيرة مراقبته هو تحديدًا، تركت للآخرين ما يصيدونه من الطيور العادية، وحتى ما يحط على شباكى لم أعد أهتم به، أتركه لأبنائى يتصرفون فيه كيف شاءوا، أما أنا فانصرفت إلى طائرى. 

شىء ما جعلنى أشعر بأننى على تواصل معه، وأنه يستقبل رسائل قلبى. إذا حوم نظرت إلى أعلَى، وبدأت أبث رسائلى الجوانية وحواراتى، صرت أجزم أنه يرد على رسالاتى حين يهبط قليلًا. هذا جميل، لكن المهم الآن أن أمسك به، أن يكون فى حمايتى...

بالطبع لن يصلح أن أصيده بسلاح قد يقضى على حياته. حتى استخدام كل مهارتى فى التصويب، لأصيبه بما يوقفه لا بما يقتله، لن أوافق عليه. أريده كله غير مصاب أو مكسور الخاطر. آه لو يأتينى سعيًا لرأى قلبًا يمد له فى الحب مدًّا. 

أسفرت مراقباتى واستنتاجاتى عن حل لا بديل له، وهو أن أصعد لأعلى الشجرة التى يقف عليها وأنصب له شبكة.. بالفعل نفذت خطتى بدقة، وعدت لأجلس فى مكانى، لكنه حين عاد حوَّمَ وحلَّقَ كثيرًا حول قمة الشجرة، وذهب إلى شجرة أخرى.

جلست فى عشتى يمزقنى الغيظ من جهة، وأسخر من نفسى من جهة أخرى، لكننى زاد يقينى بقيمة هذا الطائر وفرادته، خاصة عندما انطلق فى اتجاه مجلسى، وأخذ يدور فى الفضاء دورات كأنها رقصة التنورة. فى هذه اللحظة اتخذت القرار، وعزمت أن نكون معًا بأى ثمن!

صارت الحاجة إلى طريقة غير تقليدية للوصول إليه ملحة، تذكرت وقتها الحواة الذين يدعون الثعابين فتأتيهم، ويتعايشون معها، لكن التتلمذ يحتاج وقتًا، والوقت ليس فى صالحى، والثعابين غير الطيور؛ هذا يعنى أن ما سأكتسبه لن يكون إلا بابًا لباب سأبتكره.

كلما ازداد الحلم بعدًا، ازاداد الفكر عمقًا.

تدفقت على رأسى الأفكار: فكرت مثلًا أن أحضر كمية من الغلال كفيلة بدفنى تحتها؛ فإذا حط عليها، وجّهَنى رقيب للإمساك به، حتى أننى فكرت فى إعداد وسيلة للتنفس تحت الغلال، فكرت فى الصعود لقمة الشجرة، والسكن بين أوراقها للحظة المناسبة. فكرت، وفكرت، وفكرت. لمته وحدثته وخفت عليه، وأثناء تفكيرى ومخاطباتى وجدته يقترب، يقترب، يقترب حتى وقف أمامى تمليته كثيرًا.

رفعت يدى وأنا أذوب حنينًا للمسح على ريشه، وضعت يدى وسرت بها، نظرى يراه بصورته وألوانه وحجمه الطبيعى، ويدى تمسح هواء.. حاولت أن أمسكه بيدى، يداى تمسكان هواء، أتيت بحركات تؤكد أننى لست فى حلم، كأنه كان يعى ما يحدث، مشى خطوتين للخلف وطار عاليًا فى الفضاء.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الحرس الثوري ينشر فيديو يتضمن تلميحات باستخدام صواريخ جديدة ضد الكيان
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل