اتصالات تليفونية عديدة، يصعب حصرها، أجراها، أو تلقاها، الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، خلال الأيام الماضية، استهدفت وقف التصعيد العسكرى القائم بين إسرائيل وإيران. غير أن أكثرها أهمية، فى رأينا، كان ذلك الذى جرى مع سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، الذى عكس توافق الرؤى بين مصر وروسيا بشأن ضرورة خفض التصعيد واحتواء الموقف المتدهور، وضرورة العمل على منع انزلاق المنطقة إلى فوضى عارمة واستئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووى الإيرانى.
تناول الاتصال، طبعًا، سبل تعزيز العلاقات المصرية الروسية فى المجالات المختلفة، وثمّن الوزيران مستوى التعاون الراهن بين البلدين، وأكدا حرصهما على مواصلة الارتقاء بالعلاقات الثنائية وتبادل الزيارات بين الجانبين لدفع التعاون المشترك، خاصة فى المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بما يحقق المنفعة المتبادلة للبلدين. ومع تناولهما مستجدات الوضع الإقليمى، فى ظل التصعيد العسكرى الراهن، أكد وزيرا خارجية مصر وروسيا الأهمية البالغة للحلول السياسية والدبلوماسية، مشدديْن على أن الأزمة الراهنة لا يمكن حلها عسكريًا. كما استعرض الوزيران الاتصالات التى أجراها رئيسا البلدين، عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين، مع عدد من القادة، من أجل احتواء التصعيد والعودة إلى المفاوضات، باعتبارها السبيل الوحيد لمنع اتساع نطاق الصراع إلى الدول المجاورة والمنطقة بأسرها.
تحدث الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، تليفونيًا، مع نظيره الإيرانى مسعود بزشكيان، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، عارضًا المساعدة فى تهدئة الصراع. وأكد للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، استعداد روسيا للقيام بالوساطة، مشيرًا إلى أنها اقترحت خطوات «تهدف إلى إيجاد اتفاقيات مقبولة للطرفين» خلال المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن البرنامج النووى الإيرانى. كما أصدرت الخارجية الروسية بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه الضربات الإسرائيلية، ووصفتها بأنها «غير مقبولة قطعيًا»، وحذرت من أن «جميع عواقب هذا الاستفزاز ستقع على عاتق القيادة الإسرائيلية».
فى اتصاله مع بزشكيان، أدان بوتين الضربات الإسرائيلية، وأشار إلى أن روسيا طرحت مبادرات محددة تهدف إلى حل الوضع المتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى. وفى اتصاله مع نتنياهو، أكد «أهمية العودة إلى عملية التفاوض وحل جميع القضايا المتعلقة بالبرنامج النووى الإيرانى بالوسائل السياسية والدبلوماسية حصرًا»، وعرض وساطته «لمنع مزيد من تصعيد التوترات»، وفقًا لبيان أصدرته الرئاسة الروسية، أشار إلى أنه «تم الاتفاق على أن يواصل الجانب الروسى اتصالاته الوثيقة مع قيادتى كل من إيران وإسرائيل، بهدف حل الوضع الراهن، المحفوف بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها».
الموقف الروسى، كما لعلك لاحظت، يكاد يتطابق مع الموقف المصرى من التصعيد العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط، ومن مستجدات الأوضاع الإقليمية إجمالًا، والذى كرره الرئيس السيسى، أو طرحه مجددًا، فى عدة مكالمات تليفونية تلقاها، الأيام الماضية، ولعلك تعرف أن مصر كانت قد أكدت، فى ساعة مبكرة من صباح الجمعة الماضى، أنها تتابع «بقلق بالغ» التطورات الحالية المتسارعة، وأدانت الهجمات الإسرائيلية على إيران، واستنكرت هذا العمل غير المبرر، وأكدت أن الأزمات التى تواجهها المنطقة لا يمكن تسويتها بالحلول العسكرية، وأن «غطرسة القوة» لن تحقق الأمن لأى دولة فى المنطقة.
هنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن وزير الخارجية الروسى أشاد بالبيان المشترك الذى أصدرته أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية، الإثنين الماضى، بمبادرة مصرية، والذى شدد على ضرورة وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية ضد إيران، والعودة إلى مسار المفاوضات فى أسرع وقت ممكن، وأكد أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، دون انتقائية. كما شدّد على ضرورة انضمام كل دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأكد ضرورة عدم استهداف المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، و... و... وشدّد، كذلك، على أهمية احترام حرية الملاحة فى الممرات المائية الدولية، وفقًا لقواعد القانون الدولى.
.. وأخيرًا، نرى أن الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل وإيران يتيح لروسيا أن تكون وسيطًا قويًا، ونزيهًا، وشريكًا محتملًا فى أى اتفاق مستقبلى بشأن برنامج طهران النووى.