مازال أديب نوبل، نجيب محفوظ، ملهما للمئات من المبدعين والكتاب العرب، ولازال أثره ممتدا في كتاباتهم، وهو ما يكشف عنه الروائي السوداني عماد البليك، في تصريحات خاصة لـ"الدستور".
عماد البليك: الثقافة المصرية كان لها أثر كبير في تكويني الأدبي
عماد البليك الذي صدرت له قبل أيام في القاهرة، روايته الأحدث، “البحث عن مصطفي سعيد”، عن منشورات إيبيدي، يتحدث عن أثر كتابات نجيب محفوظ علي تجربته الإبداعية، مشيرا إلي الثقافة المصرية كان لها أثر كبير في تكوينه الأدبي منذ البدايات التأسيسية في مشروعات طه حسين والعقاد والمازني وغيرهم من الأسماء كذلك الصحافة والمجلات المصرية.
وتابع: لن أنسى تلك الأعمال التي قرأتها في الصبا كالشياطين الـ 13 والألغاز وأدب المغامرات الذي كتبه محمود سالم. كانت مهمة وملهمة إلى اليوم. لكن بالنسبة لي كروائي فأن الخط الأكثر وضوحًا هو نجيب محفوظ بتجربته الثرة والثرية؛ الذي استطاع فعليًا أن يكتب نفسه مؤسسًا للرواية العربية عبر كفاح طويل ورحلة استوعبت أشكالًا مختلفة من التجريب من الرواية التاريخية إلى الواقعية إلى العبث إلى فترات النقاهة والأحلام. وقد كتبت عن ذلك في كتابي "الرواية العربية - رحلة بحث عن المعنى" الصادر عن وزارة الثقافة في قطر. وثمة أسماء أخرى مهمة في الأدب المصري إلى اللحظة الراهنة، كصنع الله إبراهيم، وروءف مسعد، ذو الهوية المزدوجة السودانية المصرية المنعكسة في أدبه كذلك. من ناحية الأثر فإن نجيب محفوظ هو الأوضح، وليس هو أثر بالمعنى المباشر بل هو دراسة متعمقة واستكشاف لهذا المشروع الدؤوب، وكيف للروائي أن يكرس حياته للأفكار التي يؤمن بها، وأن يرى العالم بمنظور فلسفي وجمالي.
الأزمة السودانية في جوهرها أزمة وعي وهوية وثقافة
وحول الأزمات التي يعيشها الداخل السوداني، والتي تناولها في كتابه “القوقعة الشريرة”، قال “البليك”: أزمات متعددة ومعقدة، لكن جوهرها ما يلخصه العنوان "القوقعة" التي هي العقل المنغلق، و"الشريرة" التي لا تخلق نتاجًا سوى الشرّ. وهو مجاز يحيل إلى أننا في حاجة إلى بناء عقل جديد بهدف تجاوز الراهن بكل ما فيه من وهن وانكسار وعدم قدرة على المضي للأمام. والكتاب يعالج الأزمات من منظور ثقافي، أسميته "مدخل" فهي بوابة للفهم والوعي ومحاولة الاستنطاق أكثر من كونها تحمل الإجابات النهائية. ليس لأحد أن يجزم بأنه يوزع صكوك الخلاص لصناعة مستقبل أفضل لبلد. لهذا فالإشكال الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، هي قضايا مترابطة مركز ثقلها "الوعي"... الحاجة إلى ذلك العقل الخيّر الذي مزق شرنقته وخرج إلى الشمس.
وعن الأسباب الجذرية لهذه الأزمات وهل التراكمات التاريخية والتشوهات الثقافية جزءَا منها؟، أجاب عماد البليك: "العقل هو الجذر الأساسي. ولكي نفهم المسألة بشكل أوضح. فنحن لدينا تاريخ تراكمي خطي من النكسات والنكبات التي لم نتعلم منها، بل كنا بارعين في تكرار الأخطاء لكأننا أدمنا ذلك وعشقناه. لهذا فالأزمات هي نتاج لذلك العقل الذي اسميه مرات مزيف أو مضطرب أو معطل، لم يستثمر في التحولات الكبيرة في أنساق الحياة طوال قرون، لاسيما في الفترة ما بعد الاستقلال 1956 حيث تعقدت الأزمات بدرجة أكبر وسقطنا في وضع مستعصٍ.
نعم هي تراكمات تاريخية وعثرات ثقافية، والمفارقة أن المثقف بقدر ما ظل ضحية كان سببًا. وهذا ما يجعل الكتابة في حد ذاتها، والتفكيك عبر النصوص الأكثر حداثة مطلوب لكي نرى أفقًا مختلفًا، وما فعلته في بحثي عن مصطفى سعيد، هو جزء من هذا المشروع، أن أقرأ الماضي في صلته بالحاضر كتاريخ وأزمة وثقافة من منظور جيلي، عسى أن أتلمس أملًا.