حكاية أثر|هرم اللاهون.. بصمة سنوسرت الثاني في أعماق الفيوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقع هرم اللاهون في منطقة الفيوم، وشيد في عهد الملك سنوسرت الثاني من الأسرة الثانية عشرة (حوالي 1897–1878 قبل الميلاد)، ويعتبر هذا الهرم من أبرز معالم الدولة الوسطى، حيث نقل سنوسرت الثاني الجبانة الملكية من دهشور إلى اللاهون، مما يعكس أهمية المنطقة في تلك الفترة.

عالم الآثار فلندرز بتري

في عام 1889، اكتشف عالم الآثار فلندرز بتري مدخل الهرم، بعد الانتهاء من أعماله في هرم هوارة، حيث توجه بتري إلى هرم اللاهون، الذي يختلف عن غيره من الأهرامات بكون قاعدته مكونة من صخرة طبيعية تم تشكيلها، تعلوها طبقات من الطوب اللبن، لاحظ بتري أن معظم الأهرامات تحتوي على غرف مبنية في حفرة داخل القاعدة الصخرية، فقام بإزالة الرمال حول قاعدة الهرم بحثا عن مدخل محتمل في الزاوية الجنوبية الشرقية، واجه صعوبة بسبب نقص في الصخر، مما جعل البحث أكثر تحديا، ولكن بعد أشهر من التنقيب، اكتشف بئرا عموديا بعمق 40 قدما، يؤدي إلى ممر صاعد داخل الهرم، مما أكد أن الغرف والممرات كانت محفورة بالكامل في الصخر، وأن الهرم بني فوقها دون اتصال مباشر بالمقبرة، وعلى الرغم من عدم العثور على مومياء الملك داخله، تم اكتشاف تابوت بدون غطاء ومائدة قرابين. كما عثر على كنز من المجوهرات في مقبرة الأميرة سات حتحور بجوار الهرم، وهي الآن معروضة في المتحف المصري.

تصميم الأهرامات

بني الهرم من الطوب اللبن على ربوة صخرية بارتفاع 12 مترا، مما ساعد في تقليل كمية المواد المطلوبة للبناء، ثم كسي بالحجر الجيري، ويبلغ ارتفاعه الإجمالي 48 مترًا وطول قاعدته 106 متر، ما يميزه هو مدخله غير التقليدي، حيث يقع في الجهة الجنوبية الشرقية، وهو أمر غير معتاد في تصميم الأهرامات، كما انه مخالفًا للتقاليد، وضع مدخل الهرم في الجهة الجنوبية الشرقية، مخفيا تحت مقبرة أميرة، بهدف تضليل اللصوص، واستخدمت فتحة بناء عميقة لنقل التابوت والمواد، ثم أعيد تصميمها لتبدو كغرفة دفن وهمية.

الطوب اللبن 

وقد شكل الطوب اللبن المادة الأساسية لبناء جسم الهرم، حيث تم تجفيف هذا الطوب تحت أشعة الشمس، مما جعله أكثر عرضة للتآكل بمرور الزمن مقارنة بالأهرامات الحجرية، ولضمان استقرار البناء، تم إنشاء شبكة من الجدران المتقاطعة المصنوعة من الحجر الجيري داخل الهرم، مما وفر دعامة قوية للطوب اللبن.

الفراغات بين الأحجار

كما تم تغطية الهرم بطبقة خارجية من الحجر الجيري الأبيض المستخرج من محاجر طرة، مما أضفى عليه مظهرًا لامعًا وبارزا، كما تم استخدام الجص لملء الفراغات بين الأحجار، مما ساهم في تثبيت البناء وزيادة تماسكه.

واستخدم عمال البناء في إنشاء هرم اللاهون أدوات بسيطة مثل: المطارق الخشبية، والمناشير النحاسية، والمستويات الخشبية، والحبال لقياس الزوايا، بالإضافة إلى قوالب الطوب لصناعة الطوب اللبن، ولتحريك الكتل الحجرية، استخدمت الزلاجات الخشبية على طرق مبللة بالرمل لتقليل الاحتكاك، كما استخدمت البكرات الخشبية القصيرة، التي عثر على بعضها في مخلفات البناء، لتسهيل نقل الأحجار.

وعلى الرغم من بساطة تلك الأدوات إلا انها بالاشتراك مع المواد المتاحة والابتكار حافظت على استقرار بناء الهرم ومتانته، وجعلت منه نموذجًا للعمارة والبناء في الدولة الوسطى.

مدينة كاهون

وبالقرب من الهرم، اكتشف بتري مدينة كاهون (التي أطلق عليها هذا الاسم)، والتي كانت مسكنا للعمال والكهنة، وتعد هذه المدينة من أفضل النماذج المعروفة للتخطيط الحضري في مصر القديمة، حيث قسمت إلى مناطق سكنية للعمال وأخرى للنخبة، مما يعكس تنظيمًا اجتماعيًا دقيقًا، وعثر في المدينة على أدوات يومية، ونصوص بردية تغطي مواضيع متنوعة مثل الطب والإدارة، وأدوات بناء مثل المطارق الخشبية، والمناشير النحاسية، وقوالب الطوب.

وخلال أعمال التنقيب، عثر بتري على مجموعة كبيرة من البرديات، تعرف باسم "برديات اللاهون"، والتي تعد من أكبر المجموعات التي تم اكتشافها من تلك الفترة. تغطي هذه البرديات مواضيع متنوعة مثل الإدارة، الطب، الرياضيات، والديانة، وتوفر رؤى قيمة حول الحياة اليومية والتنظيم الإداري في مصر القديمة. 

بدأت وزارة الآثار المصرية أعمال ترميم هرم اللاهون في منتصف عام 2018، بعد أن ظل مغلقا منذ اكتشافه عام 1889، وشملت الأعمال إزالة الرديم من الممرات وغرفة الدفن، وتثبيت سلالم خشبية، وإعادة تركيب الأحجار المتساقطة، وترميم الأرضيات، وتركيب نظام إضاءة حديث، وتثبيت حساسات لرصد منسوب المياه الجوفية. 

وتم افتتاح الهرم للزيارة لأول مرة في تاريخه يوم الجمعة 28 يونيو 2019. وفي عام 2023، استُكملت أعمال التطوير بإقامة مركز للزوار وكافيتيريا، وتجديد المسارات، وإنارة المقابر المحيطة، وإزالة مخلفات الحفائر القديمة، مع استمرار الحفائر العلمية المنتظمة في المنطقة.

سنوسرت الثاني

ويعد الملك سنوسرت الثاني (خع-خبر-رع)، رابع ملوك الأسرة الثانية عشرة من أبرز ملوك الدولة الوسطى، ومن أبرز إنجازاته تطوير الفيوم حيث نفذ مشروعًا ضخمًا لتحويل أراضي الفيوم إلى أراض زراعية خصبة، عبر إنشاء شبكة قنوات تصريف وري، أبرزها قناة بحر يوسف، مما زاد من الإنتاج الزراعي ورفع مكانة الفيوم اقتصاديا.

كما حافظ على علاقات جيدة مع حكام الأقاليم؛ مما ساهم في استقرار البلاد، وشهد عهده ازدهارًا تجاريًا مع المناطق المجاورة مثل النوبة وبلاد الشام، دون تسجيل حملات عسكرية كبيرة، مما يعكس سياسة سلمية، كما  دعم المعابد وشارك في الطقوس الدينية، مع تعزيز دور الإله آمون رع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "جنيف للدراسات": إيران لن تتفاوض تحت القصف
التالى الخارجية البولندية: مستعدون لإجلاء مواطنينا من إسرائيل عبر الأردن