أن تكتب عن نبيل سمعان، هو أن تمسك بطرف خيط يمتدّ من بيروت إلى مكسيكو، ومن حبر الصحافة إلى حنين المهاجر، ومن دهشة المسرح إلى صمت الأرشيف. إنه أكثر من إعلامي، وأكثر من كاتب، وأكثر من وجه سياسي. هو رجلٌ حمل في داخله خريطة وطنٍ متنقّل، وجعل من الكلمة بوصلةً لا تخطئ اتجاه القلب.
بدأت رحلته في مساراتٍ متعدّدة، بين إدارة الأعمال، والفن المسرحي، والدراسات السياسية، لكنه وجد روحه في الصحافة والإعلام. كتب في صحف لبنانية وعربية، وعمل مراسلًا لشبكة “تيليفيزا إكو” الناطقة بالإسبانية، حيث عايش عن كثب هموم الجاليات اللبنانية في المهجر، ووثّق قصصهم من قلب المسافات.
ومن بين المبادرات اللافتة التي شارك بها، كان حضوره البارز في مشروع ثقافي ضخم يُعيد إحياء ذاكرة الجالية اللبنانية في المكسيك، عبر العمل على إصدار كتاب استثنائي بعنوان “La Dulce Tinta” (الحبر الحلو).
هذا الكتاب هو ثمرة جهد المؤرّخة المكسيكية – اللبنانية ماريا إيزابيل غرانيين دو حرب، التي جمعت ودرست مقالات وقصائد وأفكار الكاتب اللبناني المهاجر يوسف صالح الحلو، الذي أسّس جريدة “الخواطر” في المكسيك مطلع القرن العشرين.
نبيل سمعان لم يكن مجرّد مساهم في إخراج هذا العمل إلى النور، بل لعب دور “الرابط الحيّ” بين أرشيف الشتات ولبنان، متعاونًا مع الكاتبة على مدى سنوات، وساعيًا لأن يُسلَّط الضوء على هذا الإرث العربي الذي كاد يُنسى.
بفضله، وصل هذا العمل إلى لبنان، وجرى تسليمه إلى شخصيات دينية وثقافية بارزة، ليكون جسرًا بين المغتربات القديمة والجيل الجديد من اللبنانيين.
عند عودته إلى الوطن، عاد وفي جعبته نضج التجربة لا غبار الرحلة. تنقّل بين منابر إذاعية وتلفزيونية، بأسلوبه الهادئ والعميق، وبصوته الذي لا يعلو إلا بالحجة. لم يكتفِ بالحضور الإعلامي، بل اختار أن يكون فاعلًا في الشأن العام، فتولى منصب أمين الإعلام في حزب الوطنيين الأحرار، واضعًا نصب عينيه خطابًا وطنيًا جامعًا، بعيدًا عن الانفعال، قريبًا من جوهر القضية.
نبيل سمعان ليس رجلًا يمرّ في الإعلام والسياسة مرورًا عابرًا. هو ذاكرة حيّة منفتحة على الحاضر، وعينٌ ترى في الاغتراب امتدادًا لا انقطاعًا. في كل إطلالة له، حسّ إنساني رفيع، وحرص على ألّا تضيع الحكاية بين صخب الشعارات.
في زمنٍ سريع، يظل نبيل سمعان من القلائل الذين يعرفون أن العمق لا يُختزل، وأن الهويّة ليست شعارًا بل مسار. رجلٌ كتب وطنه من بعيد، فعاد إليه أكثر قربًا.
