في ذكرى ميلاده، يعود اسم نجاح الموجي ليملأ الساحة الفنية من جديد، ليس فقط كأحد أبرز نجوم الكوميديا، بل كـ"هرم للارتجال" الحقيقي في السينما والمسرح، إذ جمع بين خفة الدم الفطرية والتلقائية المدهشة، ونجح في أن يجعل من كل مشهد بصمة يصعب نسيانها.
خلف الضحك الذي رسمه كان هناك نضال طويل، وتجارب إنسانية صنعت فنانًا من طراز خاص، بدأ من المسرح، وأبدع في التلفزيون، وترك بصمات لا تُمحى على شاشة السينما، حتى رحيله المفاجئ في أوج عطائه عام 1998، بعدما قدم إرثًا فنيًا خالدًا لا يزال حاضرًا في وجدان الجمهور.
نجاح الموجي.. “خرمانجي”
وُلد عبد المعطي محمد الموجي، الشهير بـ"نجاح الموجي"، في محافظة الدقهلية عام 1945، ونشأ في أسرة فقيرة من 14 شقيقا، وانتقلت أسرته إلى حي حدائق القبة بالقاهرة، بدأ مشواره الدراسي بالالتحاق بكلية التجارة، إلا أنه لم يوفَّق فيها، حيث رسب لعامين متتاليين، ما أدى إلى فصله نهائيًا، وقرر حينها أن يغير مساره، فالتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية، حيث أكمل دراسته وتخرج منه وعين بشهادته، وتدرج في الوظائف حتى درجة وكيل وزارة.
في فترة دراسته، لجأ الموجي إلى وظيفة غير تقليدية لتأمين دخله، حيث عمل بإحدى شركات السجائر كمُجرِّب يتذوق أنواع الدخان المختلفة ويُدلي برأيه فيها، وقرر تركه بعدما بدأ يشعر بآثار التدخين على صحته، ورغم خصوصية هذه التجربة، إلا أنها أغنت أدواته الفنية لاحقًا، وربما تركت بصمتها في أدائه الواقعي والمقنع لشخصية "هرم"، تاجر المخدرات، في فيلم" الكيت كات".
نجاح الموجي وحلم التمثيل
لم يتخل الموجي عن حلمه بالتمثيل، فتقدم أكثر من مرة إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، لكنه لم يتمكن من اجتياز اختبارات القبول، ورغم الإخفاق، ظل متمسكًا بحلمه ووجد في المسرح والتمثيل طريقه الحقيقي.
أما الاسم الذي عُرف به فنيًا، "نجاح"، فقد استلهمه من اسم شقيقه الأكبر، الذي كان يعاني من ضمور في اليدين، وأطلق على نفسه اسم "نجاح" تعبيرًا عن الحب والتقدير لأخيه، الذي ظل يعتني به حتى وفاته في عام 1986، معتبرًا أن هذا الاسم يحمل رسالة إنسانية ووفاءً عميقًا.
ظل يحلم ويراقب ويبحث عن الفرصة التي تظهر موهبته الكوميدية الفريدة، وبدأت ملامح نجوميته تتشكل في منتصف الثمانينات، بعد مشاركته في عدد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائي بأدوار بسيطة لكنها كانت كفيلة بأن تخرج ذلك الكوميديان الذي يحمل مزيجًا نادرًا من التهكم، والعبث، والحزن العميق الممزوج بالضحك.
بدأ الموجي حياته مع ثلاثي أضواء المسرح في أواخر الستينات، عندما أسند إليه المخرج محمد سالم والفنان جورج سيدهم دورًا هامًّا في مسرحية “فندق الأشغال الشاقة” عام 1969، وما ميّزه ليس الإفيه المباشر، بل التلقائية، والتعبيرات الجسدية الطريفة التي لم يكن يفتعلها.
عبارته الشهيرة في مسلسل "أهلًا بالسكان" "أنا خرمانجي دخان"، تحوّلت إلى لازمة في الشارع المصري، واشتهر الفنان الراحل نجاح الموجى ببراعته أيضًا فى غناء المونولوج، وبرع فيه إلى حد كبير.
إفيهات نجاح الموجي
قدم الفنان الراحل نجاح الموجي العديد من الايفيهات الكوميدية التي ارتبطت مع الجمهور في أعماله المختلفة ومنها:
"صح بس هنكر": من الإفيهات التي ارتبطت بشخصيته "الهرم" بفيلم الكيت كات، حيث قدم نجاح الموجي شخصية "الهرم" تاجر المخدرات الذي فضحه "الشيخ حسني" والذي كان يقوم بدوره الفنان محمود عبد العزيز.
"انا الشعب": قدم الفنان نجاح الموجي شخصية "مزيكا" بمسرحية المتزوجون، والذي استطاع أن يجذب له الأنظار من خلال حديثه مع الفنان "جورج سيدهم" عندما وجه سؤال "تعرف أية عن السياسة ياد يا مزيكا".. ليرد الموجي "أنا الشعب" بعدها ينفجر المسرح بالكامل من الضحك.
نجاح الموجي والمسرح
رغم حضوره المميز في السينما والتلفزيون، ظل المسرح هو ملعبه الأساسي. حيث قدم العديد من الأعمال الناجحة التي كانت علامة فارقة في تاريخه الفني مثل:
- المتزوجون: مع سمير غانم وشيرين، حيث لمع بدور “الولا مزيكا”.
- خد الفلوس واجري: التي أظهرت قدرته على خلط الفلسفة بالضحك.
- عروسة تجنن: حين جسد شخصية المعلم لفتاة لديها قدرات خاصة على التعلم
من بين أبرز محطاته الفنية، مسرحيته مثيرة للجدل "لا مؤاخذة يا منعم"، والتي تسببت في أزمة قضائية بعد أن تضمن أحد مشاهدها فقرة يسخر فيها من بعض الشخصيات العامة، من بينهم الفنانة أنغام، حيث قام بتقليدها بطريقة اعتُبرتها مسيئة.
على خلفية هذا المشهد، تقدمت أنغام بدعوى قضائية ضد نجاح الموجي، وقضت المحكمة عليه بالسجن لمدة 3 أشهر، غير أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، إذ قام الموجي باستئناف الحكم، ليُبرأ لاحقًا من التهم المنسوبة إليه.
ورغم هذا الجدل، ظل نجاح الموجي من الفنانين المحبوبين لدى الجمهور، حيث احتفظ بشعبيته حتى بعد رحيله في 25 سبتمبر 1998، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا متنوعًا وحضورًا يصعب تعويضه على الساحة الكوميدية.
السينما في حياة نجاح الموجي
على الشاشة الكبيرة، لم يمنح نجاح الموجي البطولة المطلقة كثيرًا، لكنه صنع من كل دور مساحة جعلته محفورا في اذهان الجمهور فقد شارك في العديد من الأفلام مثل:
- 4-2-4: حيث جسد شخصية حارس المرمى الطريف.
- الكيت كات: واحد من أبرز أفلام التسعينات، مع محمود عبد العزيز، وقدّم فيه الموجي المعلم هرم والذى تجمعه بالشيخ حسني العديد من المواقف الكوميدية التي كان لها أثر في وجدان الجمهور
- الحريف: مع عادل إمام، في عمل يمزج بين الواقعية والتأملات الصامتة.
- شوارع من نار والحب فوق هضبة الهرم: حيث ظهر بدور الشخص المهمّش، لكنه دائمًا ما يترك أثرًا واضحًا.
قدم نجاح الموجى قرابة 150 عملا خلال حياته الفنية وآخرها مسلسل "فى بيتنا كنز"، كما قدم أعمال عديدة فى السينما والمسرح والتليفزيون التى نالت إعجاب الجماهير ومن أهمها موعد مع القدر، الكيت كات، البحر بيضحك ليه، الحريف، الحب فوق هضبة الهرم، 4 فى مهمة رسمية، المتزوجون، يا انا يا انتى، رقص الديوك، العائلة،البحث عن الضحية، أهلًا بالسكان وغيرها من الأعمال.
قدم أيضا الموجي واحدة من الأغاني التي كان لها وقع السحر على الجمهور في فيلم أيام الغضب الذي قام ببطولته نور الشريف وأخرجه منير راضي وألفه بشير الديك.
وهي اغنية سلملنا بقى على التروماي، وتحدث الموجي عن سبب هذه الأغنية، وأنه اقترحها بنفسه لتخفف من قتامة ودراما الأحداث، وهو الاقتراح الذي لاقى قبولا لدى المؤلف والمخرج، وتم وضع الأغنية في الأحداث ليكتبها الشاعر الكبير سيد حجاب.
رحيله المفاجئ
رحل نجاح الموجي في عام 1998 عن عمر ناهز 53 عامًا، إثر أزمة قلبية مفاجئة بعد عودته إلى منزله من المسرح، حيث كان يقوم بتجسيد دوره في مسرحية "سيدي المرعب".