الإرهاب ظاهرة وليست حالة فردية أو استثنائية ومواجهتها لابد أنّ تكون من خلال إطار جماعي أو تحالف، كما يُسمى في هذا العصر، لعدة أسباب منها على سبيل المثال، أنّ الظاهرة نفسها تتواجد في أكثر من دولة، وكل منها يستمد قوته من وجود نفس الظاهرة في الدولة الأخرى، وهو ما يستلزم أنّ تكون المواجهة بنفس القوة التي باتت عليها هذه الظاهرة، وأنّ تكون المواجهة عابرة للحدود والقارات كما الظاهرة تمامًا.
كما أنّ الإرهاب بات ظاهرة عالمية، ولابد أنّ تكون مواجهته عالميّة أيضًا؛ وهنا تبدو أهمية دراسة العدو أو الخصم لمواجهته، وهذه أزمتنا في مواجهة هذه الظاهرة في العموم، أننا لم نقرأها قرأة جيدة، كما أننا أهملنا قراءة تحولاتها عبر العقود الماضية، لم نقصر في المواجهة ولكننا قصرنا كثيرًا في المواجهة ذات الأثر والمبنية على القراءة الدقيقة.
هناك أزمتان حقيقيتان ترتبطان بفكرة مواجهة ظاهرة الإرهاب، الأزمة الأولى ترتبط بمكر ودهاء القائمين على الظاهرة أو المشغلين لها، وربما يمكن قراءة هذا الأمر في إطار تحولات الظاهرة، ومشكلتنا الحقيقية أننا قصرنا كثيرًا في تأمل هذه التحولات أو قرأتها، سواء كانت مراكز دراسات أو أشخاص مشتغلين على الظاهرة لأسباب سوف نسردها مستقبلًا، والأزمة الثانية تتمثل في عدم وجود شراكة عربية أو دولية حقيقية يمكن البناء عليها في مواجهة الظاهرة، وهنا أقصد شراكة ذات أثر أو جدوى وليس مجرد تحالف شكلي أو رمزي أو هيكلي.
نفهم من خلال الرصد العام أنّ كثيرًا من التنظيمات المتطرفة نجحت في إعادة إنتاج نفسها مرة أخرى، ويبدو أنّ خطر هذه التنظيمات مازال قائمًا وسوف يستمر حتى ولو انشغل العالم بحروب وصراعات أخرى، هذه التنظيمات تستفيد من هذه الحروب وربما تستفيد أكثر من الصراعات، وهنا يبدو خطرها قائمًا ومستمرًا.
وهذا يستلزم التفكير الدائم في إيجاد محطات مهمة في المواجهة، محطات ذات أثر بحيث تضمن عدم عودة التنظيمات المتطرفة مرة أخرى، بحيث تعمل بديناميكية فعالة، فتطرد سموم الأفكار والسلوك أولًا بأول، وهذا لن يتحقق إلا من خلال وجود شراكات فكرية مهمة تتعلق بآلية المواجهة ورصد الخطر في نفس الوقت.
نحن نعيش في عصر التكتلات السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنيّة والسياسيّة، وهو ما يستلزم تضافر الجهود من أجل مواجهة قوية وذات أثر فّعال، مواجهة لا تكون قائمة على رؤية واحدة ولكن لابد من وجود رؤى مختلفة، بعضها قد يكون متناقض، وهنا لا يكون لها أي أثر، لأنها فردية أولًا وليست تشاركية، أي رؤية فاعلة لابد أنّ تكون جماعية بحيث تخضع للدراسة والنقاش لتحقيق الغرض منها.
أهمية الشراكة العربية في مواجهة الإرهاب
الشراكة العربية بمثابة خط الدفاع العربي الأول لمواجهة الخطر، وقد يكون الإرهاب في مقدمة الأخطار التي تتهدد بلادنا العربية، ولذلك لابد من وجود شراكة عربية دائمة، خاصة وأنّ هذه الشراكة تستلزم أنّ تكون في مجال الأمن والعمل العسكري والفكري أيضًا، التنسيق في هذه المساحات يُؤدي إلى نتائج إيجابية.
وهنا نستطيع القول، أنّ هناك ثلاث دول كبرى في المنطقة لابد أنّ تبنى عليهم هذه الشراكة، هم القاهرة والرياض وأبوظبي، خاصة وأنّ هذه العواصم معنية بمواجهة الأخطار التي تتهدد المنطقة العربية أولًا، كما أننا نتحدث عن عواصم عربية كبيرة ومؤثرة ليس فقط في المحيط الإقليمي ولكن تأثيرها دوليًا.
وتقديري الخاص، بضرورة تسمية تحالف في هذه المساحة، صحيح أنّ العواصم الثلاث متقاربة في ملفات كثيرة ومتحالفة أيضًا، وهناك تطابق كامل بينهم في ضرورة الموجهة وأهميتها، وفي مشاركة المعلومات والأفكار والرؤى أيضًا؛ لكن بناء هذا التحالف سوف تكون له نتائج إيجابية أكبر، كما أنه سوف يكون نواة لتحالف دولي أكبر بالطبع نتائجه سوف تكون أكبر وأكثر تأثيرًا.
مازال الإرهاب يمثل الخطر المخفي، صحيح قد لا يكون موجودًا ولكن هذا لا يُعني اختفاءه بالكليّة، فهو يختار وقت الهجوم ولكنه عندما يُهاجم الجسد مرة ثانية يكون هذا الهجوم شرسًا، مقارنة بالأورام السرطانية التي قد تختفي عن جسد الإنسان بالعلاج، ولكنها قد تُهاجمة ثانية، وغالبًا يكون هجومه في المرة الثانية أشرس بكثير منه في المرة الأولى، وقد تودي بحياة الإنسان، وكأن العلاج الذي يتعاطاه الإنسان للشفاء هو مصدر شراسة المرض في مجيئة الثاني.
هناك دور كبير لابد أنّ تلعبه مراكز الدراسات الجادة والمشتغلين على الظاهرة في تعبيد الطريق لبناء هذا التحالف، سواء من خلال قراءات تتناول أهميته والحاجة إليه أو في قراءة ظاهرة الإرهاب وتحولاتها وهو ما يستلزم انشاءة؛ وهنا تبدو أهمية المختصون في تشخيص المرض وتقديم العلاج، فلا أهمية لأي علاج ما لم يكن هناك تشخيص دقيق، ولا فائدة من التشخيص ما لم يُقدم علاجًا للمريض، هكذا يكون دور مراكز الدراسات المعنية بالبحث ودور المشتغلين عليها.
قد يكون هناك ما يمنع من وجود التحالف أو إنشائه وقد تكون الأسباب كثيرة في هذه المنطقة، ولكن هذا الحلم لابد أنّ يتحقق بأي صورة كانت، من يعتقد بخطر الإرهاب الذي يختفي في زوايا الضعف يُدرك ضرورة التحرك السريع للمواجهة وعدم التأخر فيها، التحالف يضمن ديمومة هذه المواجهة.
هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى ضرورة التمسك بأهمية وجود هذا التحالف في الوقت الحالي، منها خطر الإرهاب المتوحش وقوته وتحولاته الدائمة، مع التحديات التي تمر بها منطقتنا العربية والعالم، وهو ما يستلزم الانتباه والاستعداد للمواجهة، خاصة وأنّ هناك تجارب لسيطرة الإرهاب عانت منها منطقتنا العربية، ومازالت تُعاني منها في الحقيقة، كان التخلص منها صعبًا ومازالت آثاره عالقة في الثوب العربي.
خطوات الشراكة العربية لمواجهة الإرهاب
الشراكة لها بعد أمني وعسكري وفكري؛ سوف تكون الشراكة في الأبعاد الثلاثة على حد سواء، فكل منهم على درجة واحدة من الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنه؛ فلا يمكن أنّ تكون هناك شراكة بدون أنّ تكون أمنيّة، حيث يتلخص دورها في تفكيك المجموعات الإرهابية وهي تركز بحكم طبيعتها على السلوك، ولا يمكن أنّ يتحقق ذلك بدون المواجهة العسكرية، القائمة على جمع المعلومات الاستخبارية التي تتيح للمواجهة الأمنية القيام بدوها، والأهم من هذا وذاك المواجهة الفكرية، القائمة على تفكيك الأفكار المؤسسة للإرهاب.
لابد أنّ يتحقق المفهوم الكلي للشراكة من الشراكة نفسها، بحيث يُشارك الجميع بكل ما يملك من خبرات في مجال المواجهة، ولابد من دعم هذه الشراكة سواء ماليًا أو بما تملكه كل دولة من خبرات متراكمة بحيث يصب في النهاية لصالح المواجهة الشاملة، عندما يتحقق ذلك سوف تتحقق الشراكة وسوف تكون لها نتائج مثمرة في مساحة المواجهة المفتقدة.
لابد من تدشين مؤتمر تمهيدي يُبشر بهذه الشراكة، يمكن أنّ تتبناه عاصمة من العواصم الثلاث، القاهرة، الرياض، أبوظبي، أو على الأقل يتبناه مركز دراسات أو منتدى فكري، يعرض للفكرة وللتصورات العامة، وبالتالي تكون الانطلاقة الحقيقية، لابد من هذا المؤتمر سواء تم تفعيل هذه الشراكة أو لم يتم تفعيلها، مجرد مناقشة الفكرة أو كون وجود حوار حولها أمر يبدو مهمًا وصحيًا ومطلوبًا.
لابد أنّ تكون البداية سريعة ولكنها بخطوات معروفة سلفًا وبمحددات واضحة وبنتائج ملموسة حتى تكون آثارها واضحة؛ فلا يوجد داعي للتأخر، وتقديراتنا أنّ مثل هذا المؤتمر يُكثف فكرة المواجهة ويجعلها أكثر تأثيرًا، وبالتالي تكون هناك فرصة للبناء عليها.
لابد من وجود مشروع عربي واضح المعالم في مواجهة ظواهر الإرهاب والتطرف والحروب والصراعات، لأن هذه الظواهر تُعاني منها كل الدول بلا استثناء، ومعاناة البعض تُؤثر على البعض الآخر، وهذا ما يدفع إلى ضرورة وجود المشروع وانجازة.
الشراكة العربية بين النظرية والتطبيق
لا أحد يُنكر أهمية فكرة الشراكة العربية في مواجهة ظاهرة الإرهاب، ولكن لابد أنّ تخرج هذه الشراكة من إطارها النظري إلى إمكانية التطبيق العملي بما يُناسب ظروف كل الأقطار العربية، سواء الظرف السياسي أو الاحتماعي، وهنا الحديث عن المفهوم المجرد للشراكة في السياق المشار إليه، كما لابد أنّ يتسع هذا المفهوم لمواجهة كل ظواهر الإرهاب والتطرف والكراهية داخل المجتمعات؛ الخطورة في تناول الفكرة في سياقها النظري لا العملي.
فأول مقومات الفشل التنظير المجرد للفكرة دون الذهاب بها إلى التطبيق العملي؛ فالأفكار لابد لها من أقدام تمشي عليها حتى تصل إلى محطة النهاية أو حتى تجد بيت تُسكن فيه أو إليه، ولذلك لابد من وضع أجنحة للأفكار تطير من خلالها حيث التطبيق العملي لها، وألا يقتصر دورها على العقول النظرية أو مجرد المناقشات في الصالونات المغلقة دون أنّ يكون لها حيزًا من التطبيق العملي.
القراءة الدقيقة للتنظيمات المتطرفة بتحولاتها هي بمثابة الأجنحه التي تطير من خلالها الفكرة فتطلق الغلاف النظري الذي يضعه الإنسان عليها إلى الإطار العملي نحو التطبيق، وهنا تُصبح الفكرة قابلة للتطبيق العملي مضمون العواقب بعيدًا عن أي فشل، كما يُكتب لها صلاحية الحياة.
وهنا تصبح مراكز الفكر الحصان الرابح في تخليق الفكرة وفي موت هذه الفكرة في نفس الوقت، ولذلك لابد أنّ ينتبه القائمون على هذه المراكز إلى ضرورة أنّ يظل هذا المولود حيّا، فالفكرة ليست في الفكرة ولكن في الحفاظ عليها، وهذا ما يجب أنّ تنتبه إليه هذه المراكز، حتى يخرج المشروع إلى النور.
ولابد من تأهيل المشتغلين على الظاهرة، خاصة وأنّ هناك عددا كبيرا منهم ليست لديه القدرة على إحياء الفكرة ولا طرحها، فكثير من الأفكار رغم أهميتها وحاجة المجتمع لها تولد على يد هؤلاء الباحثين ميته، بمعنى لا تُناسب المجتمع الذي طرحت فيه، كما أنها ولدت مبتسره أيضًا، بلا أجنحه تُحلق من خلالها نحو التطبيق العملي.
في النهاية يمكن القول، إنّ دور مراكز الفكر والدراسات لا يقتصر على مجرد طرح الفكرة ولكن لابد أنّ يكون الطرح جيدًا ومُناسًا للمجتمع، الفكرة الجيدة تلك التي يطرحها صاحبها وهي قابلة للتطبيق العملي، كما لابد أنّ يكون الباحث مؤهلًا للطرح وقادرًا على تسويق الفكرة وخلق ظروف الحياة لها حتى تُغير وجه هذه الحياة أو تُؤدي المطلوب منها وفق التصورات السابق ذكرها.
هنا فقط نستطيع أنّ نقول إنّ الإرهاب والكراهية والتطرف والحروب والصراعات سوف يضيق الخناق عليها ولن يُصبح لها وجودًا قويًا كما في السابق، لا يبقى سوى خلق القكرة والاتجاه نحو تحليقها.