تشهد غزة واحدة من أشد الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث، حيث لم تقتصر آثار الحرب الإسرائيلية على القتل والتدمير الفوري، بل امتدت لتطال البنية التحتية التعليمية والثقافية، مهددة وجود جيل كامل ومستقبل المجتمع الفلسطيني برمته.
تقارير أممية حديثة وخبراء حقوق الإنسان يؤكدون أن ما يجري يتجاوز حدود النزاع التقليدي، ليصل إلى مستوى "الإبادة" المنظمة للحياة الفلسطينية، خاصة من خلال استهداف المدارس والجامعات والمرافق الدينية والثقافية.
استهداف المدارس.. من ملاذ آمن إلى هدف عسكري
منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، تحولت المدارس في غزة من أماكن للتعلم وملاذات للنازحين إلى أهداف مباشرة للغارات الإسرائيلية.
تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة كشف أن أكثر من 90% من مباني المدارس والجامعات في غزة دُمرت أو تضررت بشكل بالغ، إضافة إلى تدمير أكثر من نصف المواقع الدينية والثقافية في القطاع.
العديد من المدارس التابعة للأونروا، والتي لجأ إليها المدنيون هرباً من القصف، تعرضت لهجمات متكررة، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.
جريمة ضد الإنسانية.. الإبادة المنظمة
بحسب خبراء الأمم المتحدة، فإن استهداف المدنيين الذين احتموا بالمدارس والأماكن الدينية يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية تنطوي على "إبادة"، ضمن حملة منظمة لمحو الحياة الفلسطينية.
اللجنة الأممية اعتبرت أن تدمير النظام التعليمي والثقافي والديني لا يضر فقط بالجيل الحالي، بل يقوض حق الفلسطينيين في تقرير المصير ويهدد مستقبل الأجيال القادمة.
انهيار النظام التعليمي وحرمان جيل كامل من التعليم
تسبب القصف الإسرائيلي في انهيار شبه كامل للنظام التعليمي في غزة، حيث حُرم أكثر من 630 ألف طالب من حقهم في التعليم، فضلاً عن 88 ألف طالب جامعي و80 ألف طفل في سن رياض الأطفال.
أكثر من 10 آلاف طالب و400 معلم قُتلوا منذ بداية الحرب، بحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
تحولت المدارس إلى ملاجئ مكتظة بالنازحين، ولم تعد صالحة لأي نشاط تعليمي، فيما دُمرت مئات المدارس بشكل كامل أو جزئي.
آثار نفسية واجتماعية طويلة الأمد
الدمار الشامل الذي طال المدارس والبنية التحتية التعليمية ترك آثاراً نفسية واجتماعية مدمرة على الأطفال والأسر.
فقد الأطفال منازلهم وأصدقاءهم وروتينهم اليومي، وحُرموا من الملاذ النفسي الذي توفره المدرسة، ما يهدد بضياع جيل كامل ويفتح الباب أمام أزمات نفسية واجتماعية عميقة.
استهداف ممنهج للكوادر التعليمية والطلاب
لم تقتصر الانتهاكات على القصف، بل شملت أيضاً اعتقال واحتجاز المعلمين والطلاب، وتهديدهم أو فصلهم من العمل أو الدراسة، خاصة لمن عبّر عن تضامنه مع الضحايا أو انتقد العمليات العسكرية. استهدفت السلطات الإسرائيلية بشكل خاص المعلمات والطالبات بهدف ردع النساء والفتيات عن النشاط في الأماكن العامة.
أبعاد سياسية وقانونية.. اتهامات بالإبادة وجرائم الحرب
تقرير الأمم المتحدة الأخير يضع إسرائيل أمام اتهامات واضحة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مع دعوات متزايدة لفتح تحقيقات دولية ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
الحكومة الإسرائيلية ترفض هذه الاتهامات وتعتبرها "منحازة ومعادية للسامية"، فيما انسحبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.