شهدت غزة منذ أسابيع تصاعدًا خطيرًا في استهداف المدنيين الفلسطينيين خلال محاولاتهم الحصول على مساعدات غذائية؛ حيث تحولت مراكز توزيع الإغاثة إلى ساحات قتل جماعي، وسط اتهامات متبادلة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وانتقادات حادة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لطبيعة النظام الجديد لتوزيع المساعدات.
نظام توزيع جديد تحت السيطرة العسكرية
مع استمرار الحصار الإسرائيلي وتفاقم أزمة الجوع، فرضت إسرائيل والولايات المتحدة نموذجًا جديدًا لتوزيع المساعدات عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، بدلًا من الوكالات الأممية التقليدية مثل الأونروا. ويتطلب النظام الجديد من المدنيين التوجه إلى مراكز توزيع تقع غالباً في مناطق عسكرية خاضعة لسيطرة إسرائيلية مشددة، ويشرف عليها موظفون مسلحون، بينهم متعاقدون أجانب 51.
هذا النموذج قوبل بانتقادات واسعة من الأمم المتحدة التي اعتبرته "غطاء إنسانياً زائفاً"، يهدف إلى التهجير والعقاب الجماعي، ويخرق مبادئ الحياد والاستقلالية في العمل الإغاثي61. كما رفضت منظمات الإغاثة الدولية التعاون مع هذا النظام، محذرة من أنه "يحوّل المساعدات إلى سلاح ضغط سياسي ويعرض المدنيين للخطر المباشر"15.
تفاصيل الأحداث الدامية.. إطلاق نار وقصف عند مراكز المساعدات
منذ بدء تطبيق النموذج الجديد في أواخر مايو، قُتل أكثر من 130 فلسطينيًا وأصيب المئات أثناء محاولاتهم الوصول إلى المساعدات148.
وتتكرر مشاهد إطلاق النار من القوات الإسرائيلية أو المتعاقدين الأمريكيين على الحشود الجائعة، سواء أثناء اقترابهم من مراكز التوزيع أو حتى على مسافات بعيدة نسبيًا 128. وتبرر إسرائيل ذلك بإطلاق "طلقات تحذيرية" على من تصفهم بأنهم اقتربوا من مناطق عسكرية أو لم يلتزموا بتعليمات الابتعاد، بينما تؤكد الشهادات الميدانية أن معظم الضحايا كانوا من المدنيين الباحثين عن الطعام285.
في أحد أكثر الحوادث دموية، قُتل 31 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 170 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي قرب مركز توزيع في رفح، بحسب مصادر طبية وشهود عيان، بينما نفت إسرائيل استهداف المدنيين داخل المركز وادعت أن إطلاق النار كان خارج نطاق التوزيع75. وتكررت حوادث مماثلة في دير البلح وخان يونس، حيث سقط قتلى وجرحى بينهم أطفال ونساء28.
ردود الفعل المحلية والدولية.. اتهامات وتحقيقات ومطالبات بالمساءلة
وصفت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، مراكز المساعدات الجديدة بأنها "مصائد للموت" و"مجازر يومية"، متهمة إسرائيل بتحويل الجوع إلى أداة قتل جماعي ودفع المدنيين إلى مناطق مكشوفة لاستهدافهم15. كما اعتبرت أن الهدف من هذا النظام هو إنهاء دور الأونروا وتسريع التهجير القسري للفلسطينيين1.
من جانبها، طالبت الأمم المتحدة بتحقيق دولي مستقل في جميع الحوادث، مع التأكيد على أن تعريض المدنيين للخطر أثناء بحثهم عن الغذاء "أمر غير مقبول ويشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي"715. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بينما شددت منظمات حقوقية على أن النظام الحالي "يجرّد الفلسطينيين من كرامتهم ويعرضهم للموت مقابل لقمة العيش"516.
تداعيات إنسانية وأمنية.. الجوع والفوضى والخوف
أدت الحوادث المتكررة إلى إغلاق مراكز توزيع المساعدات عدة مرات؛ ما عمق أزمة الجوع وفاقم حالة الهلع بين السكان4. يضطر آلاف الفلسطينيين للسير لساعات طويلة في ظروف خطرة أملاً في الحصول على طرد غذائي، وسط تحذيرات إسرائيلية من الاقتراب من الطرق المؤدية للمراكز، وتصاعد التوترات الأمنية في محيطها45.
في الوقت نفسه، تواصل الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية رداً على هذه الانتهاكات، ما يهدد بمزيد من التصعيد العسكري ويعقد إمكانية وصول المساعدات بشكل آمن وفعال2.