تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم بذكرى رجيل القديس الأنبا أبرآم، أسقف الفيوم والجيزة، أحد أشهر قديسي الكنيسة في العصر الحديث، الذي لُقّب بـ”أسقف الفقراء والمساكين” و”رجل المعجزات”.
لم يكن مجرد راهب أو أسقف، بل أبٌ حقيقي لشعبه، اشتهر بالمحبة والعطاء، وبساطة الحياة، والقلب المتسع للجميع، دون تفرقة بين غني وفقير، أو مسيحي وغير مسيحي.
الكنيسة القبطية تُحيي سيرة القديس الذي عاش من أجل الفقراء
وُلد القديس عام 1829 بقرية دلجا بمحافظة المنيا، وتربى في بيت محب لله، فالتحق مبكرًا بدير المحرق، وهناك ترهب باسم الراهب بولس المحرقي، وتتلمذ على يد القمص يوسف الحبشي، المعروف بروحانيته العالية، مما أثّر بقوة في شخصية تلميذه الشاب.
عُرف بولس المحرقي بنسكه الشديد، وسعيه للعلم الروحي، حتى صار رئيسًا للدير وهو في نحو الثلاثين من عمره. لكن خلافات داخلية دفعته للاستقالة، فانطلق إلى دير البرموس، ومن هناك رسمه البابا كيرلس الخامس أسقفًا على الفيوم والجيزة عام 1881 باسم “الأنبا أبرآم”.
المعجزات لا تتوقّف: محبة الناس كانت أعظم من أي منصب
منذ توليه إيبارشية الفيوم، وضع الأنبا أبرآم خطًا واضحًا لحياته الأسقفية: محبة الفقراء، الصلاة المتواصلة، وفتح أبواب المطرانية للجميع. كان يقضي نهاره في استقبال الزوار والمحتاجين، ويوزع المساعدات بنفسه، ويجلس يستمع إلى شكاوى الناس مهما كانت صغيرة. وليلًا، يسهر في الصلاة والدراسة، ويطلب من الله العون لكل من لجأ إليه.
رجل الصلاة والعطاء: كيف صار الأنبا أبرآم قديسًا وهو حيّ؟
كثيرة هي المعجزات التي نُسبت إليه في حياته، من شفاء مرضى، وحل مشكلات، وتدخل في أزمات مستعصية، حتى أن المسلمين في الفيوم كانوا يطلبون بركته ويزورونه طلبًا للدعاء.
وفي زمن الاحتلال الإنجليزي، زاره اللورد كرومر بنفسه ليطلب شفاعته بعد أن سمع عن قداسته وتأثيره الشعبي. ورفض الأنبا أبرآم أن يجامله أو يمتدحه، بل استقبله ببساطة كما يفعل مع الجميع، قائلاً له: “الرب يفتح قلبك للسلام والعدل”.
ظل الأنبا أبرآم على هذا النهج حتى آخر يوم في حياته، حيث انتقل إلى السماء في 3 بؤونه سنة 1914م، بعد 33 سنة من الخدمة كأسقف، ودُفن في مدفن خاص بدير العذراء بقرية العزب بمحافظة الفيوم، وتحول المكان بعد ذلك إلى مزار مملوء بالبركة.
قديس الشعب وراعي البسطاء.. لا يزال حيًا في القلوب
لم يكن الأنبا أبرآم صاحب تعليم لاهوتي منهجي أو كاتبًا لكتب، لكنه كان معلمًا عمليًا للرحمة والمحبة الإنجيلية. عُرف بعبارته الشهيرة: “اللي ليه عند ربنا.. ياخده”، وهي جملة تعكس ثقته العميقة في العناية الإلهية.
وحتى بعد رحيله، لا يزال اسمه يُتلى في الكنائس، ويُذكر في صلوات المرضى والمحتاجين، ويقصده الآلاف في مزار ديره بالفيوم طلبًا للبركة والشفاعات.
وقد أدرجت الكنيسة القبطية اسمه في السنكسار القبطي، وأقامت له تذكارًا سنويًا في 3 بؤونه، تخليدًا لسيرته، ودعوة للأجيال لتتعلم من حياته المليئة بالتواضع والعطاء.