"غزل البنات".. وداع نجيب الريحاني الأخير على شاشة السينما

في الثامن من يونيو 1949، أُسدل الستار على حياة أحد أبرز وجوه المسرح والسينما المصرية، نجيب الريحاني، الذي وُصف بأنه "كوميديان بحزن قديم في عينيه"، فقد رحل قبل أن يشهد عرض فيلمه الأخير "غزل البنات"، الذي مثّل نهاية مسيرته وبداية خلوده الفني في الذاكرة المصرية.

وداع لم يشاهده صاحبه

"غزل البنات"، الذي أخرجه أنور وجدي، لم يكن مجرد فيلم غنائي رومانسي، بل كان لوحة سينمائية امتزجت فيها الكوميديا بالوجع، والبساطة بالعبقرية، وفي قلب هذه اللوحة، جسّد نجيب الريحاني شخصية "الأستاذ حمام"، مدرس اللغة العربية الفقير، الذي يقع في حب تلميذته "ليلى"، دون أن يبوح لها، ثم ينسحب بصمت، ليسمح لها بأن تعيش حبها مع من تحب، وأكمل "الريحاني" تصوير مشاهده، لكنه لم يُمهل ليشهد عرض الفيلم، حيث توفي قبل خروجه إلى دور العرض. 

مشهد لا يُنسى.. "الدنيا غنوة"

من أبرز لحظات الفيلم، مشهد "الدنيا غنوة"، حيث تجلس "ليلى" إلى جوار أستاذها "حمام" ليعزفا ويغنيا سويًا، وحتى اليوم، لا يزال هذا المشهد يُعتبر أحد أكثر لحظات السينما المصرية تأثيرًا وإنسانية.

نجيب الريحاني.. مأساة حقيقية وراء الكوميديا

على مدار مشواره، قدّم نجيب الريحاني عشرات المسرحيات والأفلام التي أضحكت الملايين، لكنه عاش حياة متقلبة بين الفقر والمرض والخذلان العاطفي، وشخصية "الأستاذ حمام" كانت أقرب ما تكون إلى ملامحه الحقيقية: المثقف البسيط، الحالم، الذي يخسر في النهاية لكنه يخسر بكرامة.

وفي حوار قديم له نُشر قبل وفاته، قال الريحاني: "أنا لا أحب أن أضحك الناس من أجل الضحك فقط.. أريدهم أن يفكروا بعد أن يضحكوا"، وربما عبّر "غزل البنات" عن هذه الفلسفة أفضل من أي عمل آخر.

استقبال الفيلم بعد الرحيل

عُرض الفيلم بعد وفاته بأسابيع، وتحوّل إلى تظاهرة فنية وجماهيرية، ولم يكن الجمهور يشاهد عملًا جديدًا، بل كان يودّع فنانًا عاش معه ومعه، فنانًا قدّم الضحكة بنكهة الحزن، والخيبة بكرامة إنسانية لا تُنسى.

حينها كتب أحد النقاد في مجلة "الكواكب": "نجيب الريحاني رحل، لكنه ترك صورة لن تغيب، وصوتًا لا يُنسى، ودمعة في ضحكة لن تجف".