المعلمة المثقفة.. تقوى الحلواني أعادت تعريف مهنة "الجزارة" في قلب القاهرة

المعلمة المثقفة.. تقوى الحلواني أعادت تعريف مهنة "الجزارة" في قلب القاهرة
المعلمة
      المثقفة..
      تقوى
      الحلواني
      أعادت
      تعريف
      مهنة
      "الجزارة"
      في
      قلب
      القاهرة

في شارع ضيق، وقلوب المارة مشغولة بلقمة العيش، تظهر امرأة بخطى ثابتة، وعيون مثقفة، أمام بيت مهدوم تابع لها، وبكلمات تمزج بين العامية والبساطة والحكمة، امرأة ليست كأي امرأة عادية تقف خلف طاولة لبيع ما يسمى بـ"فواكه اللحوم".. إنها تقوى الحلواني، السيدة الخمسينية التي لم تكتفِ بكسر الصورة النمطية للمرأة بعملها في مهنة الجزارة، بل أعادت تعريف هذه المهنة بلمسة إنسانية، وبثقافة ظاهرة من حديثها وعذوبة كلماتها، ناهيك عن جرأة امرأة قررت أن تصنع واقعها بنفسها… لا بقلم أحد.

هذه ليست مجرد قصة عن امرأة تبيع اللحم، إنها حكاية امرأة تحمل قلبًا نابضًا بالعطاء، وعقلًا مثقفًا، وأصابعا قوية لا تشفِّي الكوارع فقط، بل تخيط كرامة الفقراء، وتطبطب على أحلامهم المنهكة من قسوة الأيام، فتساعدهم وتفتح لهم أبواب الخير.. لا لشيء سوى المساعدة في عالم قلما تجد فيه من يقف بجوار غيره لوجه الله.

تبدأ حديثها بابتسامة واثقة وصوت يحمل نبرة الطيبة والصلابة معًا: "أنا تقوى الحلواني، عندي 55 سنة، تخرجت من المعهد الفني التجاري بعد دبلوم التجارة، وكنت شاطرة في اللغات، ليس لدرجة الإجادة، ولكن أفهم الكثير".

 

a1ed5af952.jpg

عملت تقوى في مجال السكرتارية، ولكنها لم تكمل هذا الطريق رغم عملها فيه لمدة 15 عامًا، وتقول مبررة: “مكنتش بحب قعدة المكتب، أنا بحب الشغل الميداني.. بتعامل مع الموردين، وأمسك المناقصة وأجيب عرض الأسعار وأرسي المناقصة على الشركة”.

لكن الحياة خذلت الروتين، وقلبت الصفحة لتبدأ فصلاً جديدًا، حين قررت تقوى أن تدخل عالم الجزارة، حيث أوضحت أنها دخلت هذا المجال لأن والدها -رحمة الله عليها- كانت تعمل في الجزارة، فشربت تقوى هذا "الكار" وراثة عنها، فتعلمت كيف تشفِّي الكوارع، وكيف يُنظّف "العفش"، وتعلمت بأم عينها كيف "تُجوف" أحشاء البهائم.. كل ذلك لم يكن صنعة فقط، بل فن تتقنه بنظرة وفهم عميق.

لم تدخل تقوى هذه المهنة كموظفة تعمل تبعًا لأحد، بل دخلت برأس مالها، تشتري بجنيه، وتبيع بجنيه ونصف، لا تعمل لدى أحد، فكانت خطواتها ثابتة، وإيمانها بنفسها أقوى من التقاليد.

 

831.jpeg

ما بين الجزارة والعمل الخيري

وفي باحة تقوى الحلواني الكثير، فهي ليست جزارة فقط، بل "رئة" يتنفس بها أهل منطقتها حين تضيق بهم السُبل، ويد تمتد لهم قبل أن يطلبوا، تقول تقوى: "أنا بخدم أهالي المنطقة.. اللي عايز معاش بساعده، واللي عايز علاج على نفقة الدولة بخدمه، واللي محتاج لحمة بعطيله"، حيث إن علاقاتها الواسعة، ونشاطها السابق في حزب سياسي، فتحت لها أبوابًا تخدم من خلالها ما يقارب الـ 400 حالة.

ورغم إجرائها عملية قلب مفتوح، وحالتها الصحية ليست الأفضل، إلا أنها تقول: "أقسم بربي.. عندما أقوم بعمل مبادرة لوجه الله، أشعر أن داخلي قوة تهد الجبل".

وفي العمل الخيري، تقوى تنظم وتشتري.. تفرز وتوزع.. تسجل في كشوف وترفض الغش أو المجاملة، فهي امرأة تعمل بمبدأ: العدل أولًا، ثم الكرامة، ثم كل شيء.

الجزارة… بأسلوب تقوى

حب الجيران لتقوى الحلواني كبير، فيثقون بها ثقة عمياء، ليس لأنها تبيع فقط، بل لأنها لا تغش، وتعبر عن هذا بوصفها: "الحاجة بتاعتي صايمة، بحط ثلج مش مية… ممكن أخسر، لكن لازم ربنا يرضى، والزبون كمان".

هذه الأمانة ليست لأنها زبائنها من درجة الـ "VIP"، بل زبائنها من محدودي الدخل، يقولون لها: "إحنا مش قادرين نقف عند الجزار، فبنجي ناخد من عندك".

وحين يأتي أحد لا يملك ثمن ما يريد، تعطي له بالمجان، حتى لا تجرح إحساسه، فمن الممكن أن تزن له "كيلو" على أنه نصف كيلو.

صدمات المهنة… ووجع القلوب

تروي تقوى قصة لا تُنسى: "مرة واحدة وأخوها خدوا مني بضاعة سايبينها ناس تانية، ومشيوا.."، وتضيف بصدق مؤلم: "الست اللي الحاجات بتاعتها اتاخدت كانت أرملة وعازمة أولادها لأول يوم بعد وفاة جوزها… دي حاجة توجع".

ومع أنها واجهت مضايقات، بل وسخافات من بعض الشباب في الشارع، إلا أنها لا تتنازل عن حقها، بل تأخذه بالقانون وبطريقة راقية.

 

محرر الدستور مع تقوى الحلواني
محررة الدستور مع تقوى الحلواني

نصيحة تقوى لكل سيدة

وتوجه تقوى نصيحة لكل سيدة وتقول لها: "اخرجي للعمل وكوني في الشارع بمائة رجل.. لا تضعفين أمام أحد، وخذي بسنة الله في كونه، وسيكرمك بكرمه الواسع، فها أنا من الفجر وأنا ذاهبة لعملي، أركب مع الحرامي وتاجر المخدرات، ولكن قلبي معلق بالله".

عن التسول والسوشيال ميديا… ووجه آخر للبطولة

تقوى تكره التسول، وتراه جرحًا للدين قبل الكرامة، وتقول عن هذا: "إحنا عندنا وزارة أوقاف، وشئون اجتماعية، و3 مليون جمعية خيرية… ولسه في ناس بتشحت؟"

أما عن السوشيال ميديا، فهي مستخدمة نشطة، لديها قناة على اليوتيوب وإنستجرام وفيسبوك، وأدمن في 15 مجموعة على فيسبوك، تعرض عملها، لتشجع النساء على العمل بشرف، وتستغل السوشيال ميديا في العمل التطوعي، لتصل المساعدات إلى مستحقيها.

تقوى الحلواني ليست مجرد جزارة، بل امرأة حولت السكين من أداة قطع، إلى أداة وصل بينها وبين الناس.. فجزارتها ليست مجرد تجارة، بل درس عملي في الكرامة والرحمة والاجتهاد.. هي نموذج مصري أصيل، يثبت أن المرأة تستطيع أن تكون مثقفة وجزارة وأمًا وخادمة لمجتمعها.. في آنٍ واحد، وكما تقول هي دائمًا: "الشقيان كسبان".. وقد كانت كذلك بالفعل.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق يتسع لملايين الحجاج.. "اليوم" يكشف تفاصيل مشروع توسعة الحرم المكي (فيديو)
التالى كشف ملابسات مقطع فيديو تضمن تعدي أحد الأشخاص على فتاة بالضرب بالجيزة