كنتُ طفلة حين رأيتها على الشاشة، لا تمشي بل تنساب، لا ترقص بل تُحلّق.
كنتُ أتخيّل نفسي مكانها، في ذاك الفستان الأبيض العريض، الذي لم يكن مجرد قماش، بل كان مشهدًا كاملًا يغمر الشاشة… والروح.
شيريهان ليست نجمة. النجوم تُرى من بعيد، وهي دخلت البيوت، القلوب، والأحلام.
هي ليست مجرد فنانة شاملة، بل فنّانة شامخة، تعلو كأنها فكرة، وتغيب لتصبح أسطورة.
في كل استعراض قدّمته، كانت تؤلّف أبجدية بصرية جديدة، بوجهها المسرحي، جسدها المدرّب، وصوتها الذي يتكلّم بالضوء.
من “ألف ليلة وليلة”، إلى “كوكو شانيل”، ومن أفلام السبعينيات والثمانينيات التي جمعتها بكبار الشاشة، إلى لحظة عودتها التي زلزلت المشهد العربي…
شيريهان كانت ولا تزال استثناء.
عادت بعد المرض، والغياب، والانكسار، ولم تعُد أقلّ جمالًا أو بريقًا… بل صارت أكثر إنسانية، أكثر نقاء، أكثر شيريهان.
هي من القلائل الذين يملكون ظلًّا مسرحيًا في السينما، ووهجًا سينمائيًا على الخشبة.
وفي كل مرة ظهرت فيها، شعرتَ أنها خرجت من لوحة، أو أسطورة، أو دعاء.
أما ذاك الفستان…
ذاك الذي كنتُ أتخيّله يغمرني، تمامًا كما غمر الشاشة، فقد عاد وظهر حين تبرّعت به شيريهان لبيروت، بعد انفجار المرفأ.
لكن الحقيقة أعمق…
كان فستانًا لا يُلبَس بل يُعتَلى.
حين وقفت على الدرج بذلك الفستان، لم تكن ترتدي قطعة قماش… بل كانت ترتدي المجد.
كلّ طبقة فيه تشبه صفحة من حكاية.
امتدّ خلفها مثل ذاكرة، وتفتّح حولها كأنّها فراشة من نور.
هذا هو الفستان نفسه… الذي غطّى الشاشة في طفولتنا،
ثم غطّى بيروت بالحنان، بعد أن غمرها الحطام.
شيريهان لا تُكتَب، هي تُستَعاد. تُرى بعين القلب. وتُروى كلّ مرة وكأنها الحكاية الأولى.