استقبل سكان قطاع غزة عيد الأضحى اليوم الأحد وسط أجواء من الحزن والجوع وانهيار كافة مقومات الحياة بدلًا من الاحتفال أو حتى الدخول في هدنة مؤقتة من أجل الاحتفال بهذه المناسبة الإسلامية.
وفي ظل ندرة الطعام بشكل عام وليس اللحوم فقط، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، خصوصًا مع إعلان إسرائيل قبل عدة أيام وقف العمل في مراكز توزيع المساعدات الإنسانية ما تسبب في منع وصول الطعام للمواطنين.
وبحسب صحيفة "واي زيث نيوز" الهندية، فإن هذا الأمر يعكس حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة، وتحول العيد الذي يمثل عادة مناسبة للفرح والتكافل، إلى يوم آخر من أيام الكفاح من أجل البقاء تحت الحصار.
وللسنة الثانية على التوالي، يمر الفلسطينيون في غزة في كافة المناسبات الدينية تحت وطأة الحرب والحرمان الشديد، حيث ألحقت الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023 بالقطاع دمارًا هائلًا بحياة المدنيين، ونسفت منازلهم، وتركتهم يعانون من الجوع والتشريد.
احتفالات العيد تختفي في غزة
وبحسب الصحيفة الهندية، فإن الأعياد في غزة تأتي بشكل مختلف، فلا يوجد طعام ما يعني أن التحدث بشأن عادات تناول اللحوم وذبح المواشي أمر شبه مستحيل، حيث لم تدخل أي لحوم طازجة إلى القطاع منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وتفيد بيانات الأمم المتحدة بأن نحو 96% من الثروة الحيوانية و99% من الدواجن في غزة قد نفقت نتيجة القصف الإسرائيلي والحصار المستمر.
في منطقة المواصي الساحلية، والتي تحولت إلى مخيم كبير من الخيام، عُرضت بعض الحيوانات للبيع — بقرة وجمل وعدد قليل من الخراف — لكنها كانت خارج متناول اليد بالنسبة للأهالي الذين يعانون من فقر مدقع، حيث تواجد بعض الأطفال لمشاهدة الحيوانات، لكن لم يتمكن أحد من الشراء.
وقال عبد الرحمن ماضي، أحد سكان المخيم، معبرًا عن معاناته اليومية: "لا أستطيع شراء الخبز، لا يوجد لحم، ولا خضار، الأسعار خيالية".
وفي سوق خان يونس، حاول بعض البائعين عرض ملابس مستعملة وألعاب على شكل خراف، في محاولة يائسة لإضفاء بعض ملامح العيد، لكن الغالبية غادرت السوق دون شراء شيء.
وقالت هالة أبو نقيـرة، وهى أم تبحث عن شيء لأطفالها: "في السابق، كانت هناك أجواء عيد، كان الأطفال سعداء، أما الآن، فلا دقيق، لا ملابس، لا فرحة".
وأكدت الصحيفة الهندية، إسرائيل ترفض كافة المطالب الدولية برفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح بإدحال المساعدات الإنسانية للقطاع، وما زاد الأمر سوءًا هو الفيتو الأمريكي الذي أوقف تمرير مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي لوقف حرب غزة ورفع الحصار بشكل فوري؟
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن نحو 95% من الأراضي الزراعية في غزة إما دُمرت أو أصبحت غير قابلة للوصول بسبب النشاط العسكري الإسرائيلي، ما جعل القطاع يعتمد بشكل شبه كامل على مساعدات إنسانية شحيحة وغير منتظمة.
بالنسبة لأمهات مثل رشا أبو سليمة، أصبح الاحتفال بالعيد يعني البحث في أنقاض المنازل عن أي شيء يمكن أن يُهدى للأطفال.
وعادت رشا إلى منزلها المتضرر في مدينة رفح لتستخرج بعض الأغراض القديمة، حيث وجدت نظارات شمسية بلاستيكية وأساور صغيرة، قدمتها لبناتها كهدايا للعيد، وقالت: "لا أستطيع شراء ملابس لهن، ولا لحمًا، ولا حتى إطعامهن خبزًا".
وبالقرب من المكان، حاول بعض الأطفال اللعب على أراجيح بدائية مصنوعة من الحبال، وفيما كانت الضحكات المتقطعة تتردد في المكان، بدت وكأنها مقاومة بريئة لثقل الخراب الذي يحيط بهم — تذكير هش بأن الحياة لا تزال تنبض رغم كل شيء.
اختزلت كريمة نجلّي، وهي نازحة من رفح، الشعور الجماعي لأهالي غزة بقولها: خلال هذه الأعياد الأربعة، لم نشهد نحن الفلسطينيين أي فرحة — لا أضاحي، لا كعك، لا ملابس للعيد، لا شيء.
وأوضحت الصحيفة الهندية، أنه في ظل استمرار الحصار وتفاقم الكارثة الإنسانية، يتحول عيد الأضحى في غزة من مناسبة للفرح والتكافل إلى مشهد مأساوي يفضح حجم المعاناة، ويعيد التذكير بأن أهالي القطاع المحاصر ما زالوا يصارعون للبقاء على قيد الحياة وسط عالم يتجاهل آلامهم.
غزة بلا عيد
وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي الفلسطيني فراس ياغي، إن الوضع الإنساني في غزة كارثي وأزداد الأمر سوءًا بعد الفيتو الأمريكي أمام مجلس الأمن ومحاولة واشنطن حماية إسرائييل أمنيًا وعسكريًا وإنقاذها من العقوبات الأممية والدولية.
وتابع في تصريحات خاصة لـ "الدستور": "الحل ليس في مجلس الأمن أو الضغط الإقليمي وإنما في يد الولايات المتحدة، هي الوحيدة القادرة على كبح جماح إسرائيل في غزة، لأن الولايات المتحدة لن تسمح لأي جهة أخرى بالتدخل في الشأن الإسرائيلي.
وأشار إلى أن كل دقيقة تمر على قطاع غزة بدون هدنة تزداد الأزمة الإنسانية، ومع حلول عيد الأضحى المبارك بدون طعام ومساعدات فإن الوضع أصبح لا يطاق في القطاع.
وأوضح أنه لن يتم حل القضية الفلسطينية عبر مجلس الأمن أو المنظمات الأممية والمحاكم الدولية، ولكن من خلال الإدارات الأمريكية.
فيما قال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، إنه لا يوجد عيد في غزة بدون تحريرها من الحصار الإسرائيلي.
وأضاف أن غزة لا يوجد بها أبسط مقومات الحياة وبالتالي لا يمكن أن تشعر بالعيد، الاحتفال الحقيقي هو بإنهاء الحصار الإسرائيلي.