قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن أوكرانيا نفذت واحدة من أكثر الهجمات جرأة منذ بداية الحرب، حيث قامت بتهريب طائرات مسيّرة إلى عمق الأراضي الروسية وإطلاقها من شاحنات نصف مقطورة، ما أدى إلى تدمير أو إلحاق أضرار بما لا يقل عن 12 طائرة، بما في ذلك العديد من القاذفات الاستراتيجية الروسية القادرة على حمل رءوس نووية، وذلك على مدارج في سيبيريا وشمال روسيا.
وأضافت الصحيفة، أن هذه العملية جاءت عشية جولة جديدة من محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، فيما بدا وكأنه رسالة واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: استمرار الحرب يحمل مخاطر كبيرة على موسكو، حتى وإن لم تعد أوكرانيا قادرة على تحقيق تقدم ميداني.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، قوله إن الهدف هو محاولة إقناع الروس - سواء نجح ذلك أم لا - بوجود سبب يدعوهم الآن للتفاوض بجدية.
وأشارت، إلى أن الحرب من الصعب إنهاؤها، لا سيما عندما يشعر الطرف الأقوى أنه في موقع المنتصر ولا يرى فائدة من تقديم تنازلات، لكن، بحسب أكتون، إذا اعتقد هذا الطرف أن كلفة الاستمرار سترتفع في المستقبل، فسيصبح لديه دافع أكبر للتفاوض.
إثارة القلق في الكرملين
وذكرت "نيويورك تايمز" أن هذه الضربة الأوكرانية تقوض بشكل جزئي قدرة روسيا على شن هجمات على أوكرانيا، من خلال تدمير طائرات تُستخدم في إطلاق صواريخ بعيدة المدى على مدن أوكرانية، خاصة مع تصاعد تلك الهجمات في الآونة الأخيرة.
وقالت، إن الضربة الأوكرانية كانت تهدف أيضًا إلى إثارة القلق في الكرملين بشأن نقاط الضعف الأخرى داخل روسيا، مثل مصانع التوريد العسكري ومرافق التدريب وحتى الأسطول النووي البحري، رغم أن مهاجمة الغواصات النووية قد تشكل تصعيدًا خطيرًا.
وأكدت "نيويورك تايمز" أن أوكرانيا أعلنت عن أن العملية ألحقت أضرارًا بـ41 طائرة وتسببت بخسائر تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار، وهو رقم لم يتسنّ التحقق منه بشكل مستقل. لكن تحليلًا أجرته الصحيفة أظهر أن 12 طائرة على الأقل تعرضت لأضرار، منها قاذفات من طراز "تو-95" المعروفة باسم "بيرز".
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قدّروا أن ما يصل إلى 20 طائرة روسية استراتيجية دُمّرت أو تعرضت لأضرار جسيمة، بما في ذلك ست طائرات "تو-95" وأربع "تو-22إم"، وهي طائرات باهظة الثمن ومن الصعب تعويضها، ما قد يُلحق ضررًا دائمًا بأسطول القاذفات الروسية.
ورغم ذلك، أوضحت "نيويورك تايمز" أن هذا الهجوم لا يغير بشكل كبير من القدرات النووية الروسية، حيث لا تزال روسيا تحتفظ بـ67 قاذفة نووية ثقيلة نشطة، إضافة إلى أسطولها من الغواصات النووية ومئات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الروسي سيكون مضطرًا لإعادة تقييم أمن بقية منصاته النووية، وهو أمر معقد ومكلف ويستغرق وقتًا طويلًا، مشيرة إلى أن الصين مثلًا أنشأت قاعدة بحرية تحت الأرض لحماية غواصاتها النووية من الطائرات المسيّرة، وهو ما قد يستغرق سنوات بالنسبة لروسيا.
شبكة العنكبوت
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن العملية التي أطلق عليها اسم "شبكة العنكبوت" تأتي ضمن حملة أوكرانية متصاعدة لنقل الحرب إلى العمق الروسي، بهدف التأثير على حسابات الكرملين. وتشمل هذه الحملة عمليات اغتيال بارزة، وتخريب منشآت نفطية، واستهداف قواعد بحرية، وحتى ضربات بطائرات مسيّرة في العاصمة موسكو.
وقالت الصحيفة إن هذه العمليات تعكس كيف طورت أوكرانيا أساليب حرب الطائرات المسيّرة، بدعم أمريكي، إذ خصصت إدارة بايدن 1.5 مليار دولار لدعم إنتاج المسيّرات الأوكرانية عام 2024 ضمن برنامج سري أشرف عليه مستشار الأمن القومي السابق جيك سوليفان.
وذكر ديفيد شيمر، الذي عمل مديرًا لشؤون أوكرانيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد بايدن، أن العملية تُظهر أن لأوكرانيا أوراق ضغط حقيقية رغم تصريحات الرئيس ترامب التي قال فيها لزيلينسكي خلال اجتماع سابق إنه لا يملك أوراقًا.
وأضاف شيمر: لديهم أوراق بالفعل... وإذا كانت الولايات المتحدة تهدف لوقف إطلاق النار، فعليها مساعدة أوكرانيا على زيادة الضغط على روسيا بالمزيد من المساعدات العسكرية والعقوبات.
وتابعت نيويورك تايمز، أن روسيا لم تُعلّق رسميًا على العملية، لكن الإعلام الرسمي الروسي قلّل من أهمية ما جرى، بينما وجه مدونون عسكريون قوميون انتقادات شديدة لمسئولي القوات النووية الروسية لفشلهم في حماية أصول حساسة.
وفي المقابل، علّق ديميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، في منشور على تيليجرام، قائلًا إن المحادثات الجارية في إسطنبول ما هي إلا مفاوضات بشأن شروط النصر الروسي واستسلام أوكرانيا، حسب تعبيره، متوعدًا بـ"الانتقام".
وقال ميدفيديف: الانتقام أمر لا مفر منه.. كل ما يجب أن ينفجر، سينفجر بالتأكيد، وكل من يجب إبادته سيختفي.