بمناسبة ذكرى ميلاد المخرج والممثل الكبير أحمد توفيق، نستعيد اليوم سيرة أحد رموز الفن في مصر، الذي ولد في الثاني من يونيو عام 1930، وترك بصمة مميزة لا تنسى في الدراما التلفزيونية والسينما المصرية.
اشتهر أحمد توفيق بدقته واحترافيته، سواء أمام الكاميرا كممثل أو خلفها كمخرج، وكان من القلائل الذين جمعوا بين الموهبة والرؤية الفنية العميقة.
بدأت مسيرته الفنية حين اكتشفه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وقدمه في دور صغير بفيلم "لا وقت للحب"، ثم منحه فرصة أكبر في فيلم "القاهرة 30" عام 1966، ليظهر حينها نجم أحمد توفيق كممثل ذي كاريزما خاصة وحضور آسر، لم يكتف أحمد توفيق بالتمثيل، بل اتجه إلى الإخراج ليصنع أعمالًا شكلت علامات فارقة في تاريخ الدراما المصرية.

من أبرز هذه الأعمال مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، الذي عرض عام 1996 والذي حقق نجاحًا جماهيريًا لا يزال حاضرًا في وجدان الجمهور المصري والعربي، ويتداول المشاهدون مشاهده وحواراته حتى اليوم، خاصة بفضل الكيمياء الخاصة التي جمعت بين المخرج أحمد توفيق والبطل نور الشريف، والتي ظهرت أيضًا في مسلسل "عمر بن عبد العزيز"، أحد أفضل الأعمال الدينية التاريخية في الدراما العربية.

تنوعت أعمال توفيق بين الدراما الاجتماعية والدينية، وكان من أوائل من أعادوا تقديم شخصيات تاريخية، مثل مسلسل "الحسن البصري"، و"هارون الرشيد"، و"نور الإسلام"، و"محمد رسول الله"، والتي جمع فيها بين التوثيق التاريخي والرؤية الفنية.
ورغم أن الكثيرين لا يعرفون أن أحمد توفيق هو مخرج مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، فإن اسمه سيظل مرتبطًا بهذا العمل، الذي كشف عن عمق رؤيته الاجتماعية وبراعته في إدارة ممثليه، خاصة في خلق أجواء واقعية قريبة من قلب المشاهد المصري.

أحمد توفيق لم يكن فنانًا عاديًا، بل كان إنسانًا نبيلًا بحسب ما روته الفنانة القديرة سميحة أيوب، التي وصفته بدماثة الخلق وواسع الثقافة، حتى لو أغلب أدواره التمثيلية كانت شريرة، فإنه خلف الكواليس كان إنسانًا محترمًا ذو هيبة محببة، وتجلى احترامه لزملائه حين أصر على ألا يكتب اسمه كمخرج بديل في تتر مسلسل "السقوط في بئر سبع" بعد وفاة صديقه المخرج نور الدمرداش، احترامًا لذكراه.
كانت حياته الشخصية أيضًا مليئة بالحب والوفاء، فقد تزوج من المخرجة رباب حسين بعد سبعة أشهر فقط من تعارفهما، واستمر دعمها ومساندته لها طيلة حياتهما، حتى شارك بدور صغير في مسلسل "يا ورد مين يشتريك" الذي أخرجته، رغم كونه مخرجًا كبيرًا في ذلك الوقت، وقالت عنه إنه كان "زوجًا رائعًا وإنسانًا عظيمًا"، كما قال عنه الفنان عبدالله غيث إنه لا يخشى التمثيل أمام أحد سوى أحمد توفيق، تقديرًا لهيبته واحترافيته كممثل.

ورغم أنه خاض تجربة الإنتاج مرة واحدة فقط من خلال فيلم "معجزة السماء" بطولة محمد فوزي ومديحة يسري، إلا أن طموحه ظل مركزا على الإخراج والتمثيل، وقد شارك في قرابة الأربعين عملًا تمثيليا، وأخرج ما يقرب من خمسة عشر مسلسلاً تليفزيونيًا.
أما على المستوى الأكاديمي، فقد كان أحمد توفيق أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تتلمذت على يديه أجيال من المخرجين والممثلين، من ضمنهم زوجته رباب حسين، وقد حصل على عدة جوائز من الدولة المصرية، من بينها جائزة الدولة التشجيعية، تقديرا لعطائه الفني الرفيع.

من أشهر جمله التي علقت في أذهان الجمهور كانت من دوره في فيلم "شيء من الخوف"، حين قال: "أنا أجدع من عتريس"، لتصبح تلك الجملة من اللزمات الخالدة في تاريخ السينما المصرية.
رحل أحمد توفيق في الأول من أغسطس عام 2005، بعد صراع مع المرض، تاركا إرثا فنيا عميقا، وأعمالا ستظل باقية في وجدان الأجيال، لم يكن مجرد مخرج أو ممثل، بل كان فنانا يؤمن بأن الفن رسالة، ويحمل من الرؤية والاحترام ما يجعله واحدا من عظماء الدراما المصرية.