انتفاضة أوروبا ضد نتنياهو.. الفرصة الأخيرة للأمة العربية

الأحد 01/يونيو/2025 - 08:42 ص 6/1/2025 8:42:15 AM


في الآونة الأخيرة، برزت موجة من الانتقادات العلنية الحادة تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل عدة دول أوروبية، مما يعكس تزايد الضغط الشعبي الذي تتعرض له حكومات تلك الدول، فعلى الرغم من التاريخ الطويل من الدعم الذي حظيت به إسرائيل في أوروبا، إلا أن المتغيرات الجديدة تُشير إلى إمكانية بداية انقسام في هذا الموقف التقليدي.
ما يميز هذه "الانتفاضة"  التي تتصاعد لهجتها يومًا بعد يوم، هو الصورة الجديدة التي ظهرت في الخطاب الأوروبي، وخاصة بعد سنوات من التعامل السياسي الحذر والمتوازن مع إسرائيل تحت قيادة نتنياهو، فقد كان التوتر بين أوروبا وإسرائيل دائمًا موجودًا في خلفية العلاقة، خاصة بسبب قضايا مثل الاستيطان في الضفة الغربية، الحصار على غزة، والتعامل مع الفلسطينيين، غير أن حدة الانتقادات وتصعيدها مؤخرًا يشير إلى تحول جديد في الموقف الأوروبي.
فحين تتبنى دول أوروبية كبيرة، موقفًا صارمًا يعبّر عن عدم قبولها للسياسات الإسرائيلية الحالية، فإن ذلك يعني أن القضايا المرتبطة بفلسطين قد أصبحت تحت دائرة الضوء بشكل أكبر، وهذا قد يذكّرنا بمواقف أوروبا إبان حرب فيتنام، عندما كانت هناك موجة من الاحتجاجات والانتقادات تنبع من الضمير الجمعي للشعوب الأوروبية تجاه الأفعال التي كانت تُمارس في تلك الحرب، ومثلما كانت انتفاضة أوروبا في زمن حرب فيتنام وقودًا لتغيير الرأي العام والسياسات، فإنه من المحتمل أن تمثل هذه الانتقادات الحالية انطلاقة جديدة نحو إعادة صياغة موقف الغرب من الصراع العربي الفلسطيني.

إجراءات فعلية 
اتخذت العديد من الدول الأوروبية إجراءات عقابية تهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وتيسير إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، من بين أبرز هذه الدول، قامت المملكة المتحدة بوقف محادثات التجارة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على المستوطنين المتشددين في الضفة الغربية. 
في الوقت ذاته، هددت كندا وفرنسا بفرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني، أما ألمانيا، التي تعد ثاني أكبر مصدر للأسلحة لإسرائيل، فقد أدت التحذيرات إلى إمكانية فرض حظر على تصدير الأسلحة، وذلك تجنبا لتورطها في أي جرائم حرب قد تُرتكب في سياق الصراع. 
بالإضافة إلى ذلك، يقوم الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أكبر شريك تجاري لإسرائيل، بمراجعة اتفاقية الشراكة التاريخية التي تربط الطرفين، يأتي هذا بعد طلب رسمي من هولندا، عقب تصاعد الحدة في العدوان الإسرائيلي، ويحظى الاقتراح بدعم 17 دولة من أصل 27 دولة عضوا في الاتحاد، ولم تتوقف التحركات الأوروبية عند هذا الحد، بل قامت بلدية برشلونة  بقطع العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية، معلنة تعليق  اتفاقية الصداقة مع مدينة تل أبيب حتى يتم احترام القانون الدولي وضمان الحقوق الأساسية للفلسطينيين، كما فرضت أيرلندا حظرا على استيراد المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية.
وتتصدر إسبانيا وأيرلندا الجبهة الدبلوماسية الأوروبية المطالبة بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل والاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل إسرائيل تشعر بقلق متزايد من هذه التطورات، حيث تخشى من "لحظة خطر دبلوماسي" قد تنجم عن مؤتمر دولي مرتقب تستضيفه باريس، خلال الشهر الجاري، يُشاع أن هذا المؤتمر قد يشهد مزيدًا من الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، خاصة أن فرنسا باتت هي الأخرى تتصدر جهود الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما قد يُشكل نقطة تحول في جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ضغوطات داخلية 
إلى جانب التحركات الأوروبية، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل ضغوطات هائلة لم يسبق لها مثيل، تتراكم هذه الضغوط من مختلف الاتجاهات، مما يضيق الخيارات أمامها، إن الانقسام السياسي والاجتماعي الداخلي قد أصبح ظاهرة بارزة، ويتجلى ذلك في الاضطرابات التي تعصف بالساحة السياسية الإسرائيلية، وعلى الرغم من الدعم الذي تتلقاه الحكومة من الأحزاب المتشددة في اليمين، فإن حالة من التوتر تسود بين فئات المجتمع الإسرائيلي حيال توجه الحكومة نحو استمرار القتال في غزة.
من الملاحظ أن مئات الآلاف من الإسرائيليين يخرجون إلى الشوارع أسبوعيًا، مُعبرين عن مطالبهم بضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق يضمن الإفراج عن الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة، ووفقًا لاستطلاع للرأي نشرته القناة 12 الإسرائيلية، أيد 61% من المشاركين إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن، في حين الذين أيدوا توسيع العملية العسكرية لم يتجاوز عددهم 25%، مما يعكس بوضوح قلق الشعب الإسرائيلي وتخوفاته بشأن عواقب الحرب واستمرار الصراع.
وفي سياق التحولات السياسية، لا يمكن تجاهل تصريحات يائير غولان، زعيم حزب الديمقراطيين اليساري المعارض والجنرال الإسرائيلي المتقاعد، الذي حذر من أن إسرائيل "في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة"، كما وصف غولان أن الأفعال التي تمارسها الحكومة، مثل استهداف المدنيين وتركز العمليات العسكرية على الأهداف غير العسكرية، تتنافى مع طبيعة الدولة العاقلة.
لم يكن غولان الوحيد في التعبير عن قلقه؛ بل انضم إليه إيهود أولمرت، رئيس الحكومة الأسبق، الذي ندد بحكومة نتنياهو واعتبرها "الأسوأ في التاريخ"، توضح هذه الانتقادات أن هناك تململًا من داخل الكيان السياسي الإسرائيلي حيال القرارات التي تتخذها الحكومة الحالية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.
يتجلى الضغط الداخلي على الحكومة مرة أخرى من خلال الأبعاد الاقتصادية، حيث بدأت آثار الحرب تظهر بشكل سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي، إن الاستمرار في الصراع بدلًا من البحث عن السلام قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يعكسه تراجع بعض المؤشرات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحرب، كما أن الجيش، رغم دعمه لحكومة نتنياهو، يعاني من الضغوط المتزايدة بسبب المهام المتتابعة والاستخدام المفرط للقوات في المناطق المتوترة.

فرصة تاريخية 
هذا التحول، يُعتبر بمثابة فرصة تاريخية للأمة العربية لتعيد النظر في استراتيجيتها تجاه القضية الفلسطينية.
تجد الأمة العربية نفسها في موقف حرج، بينما تتحرك أوروبا وتتخذ إجراءات فعلية من أجل غزة، تقتصر ردود أفعال الدول العربية على البيانات والإدانات الفارغة، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، مما يُشجع قوات الاحتلال على التمادي في غطرستها، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في مناطق أخرى من العالم العربي، فهل يُعقل أن تكون الدول العربية عاجزة عن اتخاذ إجراءات فعلية تجبر إسرائيل على وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل؟
إن الفرصة الآن قائمة أمام الحكومات العربية لاستغلال الانتفاضة الأوروبية ضد إسرائيل، لفرض مزيد من الضغط على نتنياهو، واجباره على التخلي عن مخططه، فالدول العربية لديها إمكانات وقدرة على ممارسة ضغطًا حقيقيًا على الكيان المحتل، من خلال اتخاذ خطوات عملية مثل تعليق اتفاقيات السلام وفرض عقوبات اقتصادية أو تجارية، وهذا سيساعد في تشكيل بيئة سياسية جديدة تتطلب من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها العدوانية.
هناك تجارب سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تظهر أن الضغوط الخارجية يمكن أن تؤثر فعليًا في مسار الأحداث، وعليه، فإن الدول العربية بحاجة إلى استغلال هذه اللحظة النادرة لخلخلة العلاقات الدولية القائمة ولإعادة التوازن في معادلة الصراع، فالصمت العربي الطويل لم يعد مقبولًا، وكذلك يجب أن يكون هناك موقف واضح يعكس وحدتها وقوتها في مواجهة التحديات.
قد تكون هذه الفرصة الأخيرة للأمة العربية لإحداث تغيير فعلي، ومن أجل ذلك، يجب أن  تعمل بجد على تبني استراتيجيات قوية تضع حدًا للاعتداءات الإسرائيلية، وأن تمثل صوت العرب في المحافل الدولية بطريقة تعكس تطلعات الشعوب العربية في العيش بكرامة وأمان.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وصايا "الرمادي" للاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز في نهائي الكأس
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل