شهدت المرحلة الثانوية في مصر خلال العام الدراسي 2024/2025 تحولًا جوهريًا في فلسفة التعليم ونظام التقييم، في إطار خطة إصلاح شاملة أطلقتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تستهدف إعادة هيكلة المرحلة الثانوية بما يحقق التوازن بين جودة التعلم وتخفيف الأعباء الدراسية والنفسية عن الطلاب.
وجاءت هذه الخطوات في ضوء رؤية الدولة لتطوير التعليم وبناء أجيال قادرة على التفكير والإبداع، بعيدًا عن أنماط الحفظ والتلقين.
وانطلقت عملية إعادة الهيكلة من تقليل عدد المواد الدراسية، بما يتيح للمعلم تقديم عملية تعليمية أكثر عمقًا داخل الفصل الدراسي، ويمنحه الوقت الكافي لشرح المحتوى وتنمية مهارات الطلاب، إلى جانب الالتزام بالانتهاء من المناهج في الوقت المخصص لها.
كما جرى تنظيم عدد الساعات المعتمدة للمواد الأساسية بما يتناسب مع طبيعة كل مادة ومتطلبات تعلمها.
وبالتوازي مع ذلك، طبقت الوزارة نظام شهادة البكالوريا المصرية خلال العام الدراسي الحالي بشكل اختياري لطلاب الصف الأول الثانوي، في خطوة تعكس تحولًا حقيقيًا في فلسفة التقييم والالتحاق بالتعليم الجامعي.
وقد لاقى هذا النظام إقبالًا واسعًا من الطلاب، حيث اختار ما يقرب من 92% من طلاب الصف الأول الثانوي الالتحاق بنظام البكالوريا المصرية، لما يوفره من مزايا تعليمية متعددة مقارنة بنظام الثانوية العامة التقليدي.
ويتميز نظام شهادة البكالوريا المصرية بربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل، وتوفير فرص امتحانية متعددة تتيح للطالب تحسين مستواه واحتساب الدرجة الأعلى، بدلًا من الاعتماد على امتحان واحد يحدد مصيره الأكاديمي.
ويهدف هذا التوجه إلى إنهاء ما يُعرف بـ«امتحان الفرصة الواحدة»، الذي شكّل على مدار سنوات طويلة ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الطلاب وأولياء الأمور.
وفي هذا السياق، حرصت الوزارة على إطلاق حوار مجتمعي موسع شارك فيه خبراء التربية والتعليم، ووزراء سابقون، وأعضاء مجلس النواب، ومديرو التعليم الثانوي بالمحافظات، ومجالس الأمناء والآباء والمعلمين، إلى جانب الإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية ومحرري ملف التعليم، بما أسهم في بناء رؤية مشتركة للإصلاح وتحقيق توافق مجتمعي حول نظام البكالوريا المصرية كشهادة وطنية معترف بها تعادل شهادة الثانوية العامة.
واستندت الوزارة في هذا التحول إلى دراسة علمية أعدها المركز القومي للبحوث التربوية بالتعاون مع 120 خبيرًا من كليات التربية، تضمنت تحليل أفضل 20 نظامًا تعليميًا في الدول المتقدمة، وأظهرت النتائج أن جميع هذه الأنظمة تعتمد على إتاحة فرص امتحانية متعددة لتحسين النتائج وتحديد المسار المستقبلي للطلاب، وهو ما يدعم التوجه المصري نحو نظام أكثر عدالة ومرونة.
ويعتمد نظام شهادة البكالوريا المصرية على تعدد المسارات التخصصية، مثل مسارات الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والأعمال، والآداب والفنون، بدلًا من التقسيم التقليدي إلى علمي وأدبي، بما يمنح الطالب حرية اختيار المسار الذي يتوافق مع ميوله وقدراته، ويعزز التخصص المبكر المرتبط بالجامعات وسوق العمل.
كما جرى تقليل عدد المواد الأساسية المضافة للمجموع، والتركيز على مواد التخصص الرئيسية، إلى جانب مادة التربية الدينية التي تُدرس على مدار عامين، بما يسهم في تخفيف العبء الدراسي وتعزيز التعمق المعرفي، وتحقيق التوازن بين التحصيل الأكاديمي وبناء الشخصية.
ويعكس تطبيق نظام شهادة البكالوريا المصرية أن إصلاح المرحلة الثانوية لم يعد مجرد تعديل في شكل الامتحان، بل يمثل تحولًا شاملًا في فلسفة التعليم، يضع الطالب في قلب العملية التعليمية، ويعزز العدالة وتكافؤ الفرص، ويدعم بناء منظومة تعليمية حديثة تواكب المتغيرات العالمية وتؤهل الطلاب لمستقبل أكثر استقرارًا وقدرة على المنافسة.


















0 تعليق