بين مئذنة وجرس... عهد السلام يتجدد في بيروت

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لم يكن "اللقاء المسكوني" في ساحة الشهداء مجرّد محطة بروتوكولية، فقد أراد البابا لاوون الرابع عشر من خلاله أن يجمع هوية لبنان بكل طوائفها حول دائرة واحدة، جلس فيها رؤساء الطوائف إلى جانبيه. دائرةٌ بلا بداية ولا نهاية، أراد منها قداسة البابا أن تكون رمزًا للمساواة والوحدة، في لحظة روحية وسياسية فارقة أعادت تسليط الضوء على لبنان كرسالة حيّة للعيش المشترك، وكمنارةٍ للحوار في منطقة تتخبط في صراعاتها.

Advertisement

خاطب البابا شعبًا منكسرًا، غارقًا في أزماته، يتوق إلى السلام، مؤكدًا أن لبنان رغم جراحه لا يزال قادرًا على أن يكون وطنًا للكرامة والوحدة.

قدسية الأرض اللبنانية في وجدان البابا

استهل البابا لاوون كلمته بإشارة مؤثرة إلى قدسية الأرض اللبنانية، مستحضرًا رمزية أرز لبنان كما وردت في العهد القديم، واصفًا الأرز بأنه "رمز النفس البارّة التي تزهر تحت نظرة السماء الساهرة".
وفي مواجهة الانقسامات الطائفية والعرقية المتزايدة حول العالم، قدّم البابا لبنان كنموذج مضاد، مشيرًا إلى التعايش بين المسلمين والمسيحيين والدروز وسائر المكونات، كدليل على إمكانية الوحدة رغم الاختلاف.

طريق السلام… شاق لكنه ممكن

من ساحة شهدت على انتصارات لبنان وانكساراته — من إعدام الأحرار في العهد العثماني، إلى الانتداب الفرنسي وإعلان دولة لبنان الكبير، مرورًا بالتظاهرات السياسية والاجتماعية والنقابية، والحرب الأهلية وخطوط التماس، وصولًا إلى ثورة الأرز عام 2005، وانتفاضة تشرين 2019، ثم انفجار العصر عام 2020 — دعا البابا اللبنانيين إلى التصالح مع ماضيهم، والسير نحو طريق سلام شاق لكنه ممكن بقوة شعب لا يعرف إلا الرجاء.

سلام لبنان يمر عبر الأفعال لا الشعارات

"لبنان 24"، الذي واكب اللقاء المسكوني أجرى حديثًا خاصًا مع المطران بولس مطر، الذي شدّد على أن زيارة البابا تُشكّل دعوة واضحة للمصالحة مع الماضي والحاضر، والتوجّه معًا نحو سلام دائم.
وأكد المطران مطر أنّ التعددية والتنوّع في لبنان وحدهما لا يكفيان، ما لم يُترجما على أرض الواقع عبر الحوار، والعمل المشترك، وبناء جسور الثقة والصداقة بين جميع المكوّنات.

رمزية اللقاء المسكوني بين الجامع والكاتدرائية

في قراءةٍ أعمق لبُعد اللقاء المسكوني الجامع وموقعه الاستثنائي، رأى عضو لجنة منتدى المسؤولية الدينية الاجتماعية الشيخ ربيع قبيسي في لقاء مع "لبنان 24"، أن انعقاد اللقاء بين جامع محمد الأمين وكاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس يختصر جوهر لبنان: انفتاحٌ متجذّر، وعيش مشترك راسخ، وسعي دائم إلى الوحدة.
وتوقف قبيسي عند الرسالة التي يحملها البابا من روما إلى لبنان، وهي رسالة سلام لشعب يستحق السلام، ودعوة صريحة إلى اللبنانيين كي يجتمعوا لإنقاذ وطنهم في هذه المرحلة الدقيقة.
كما استحضر قبيسي كلام الإمام موسى الصدر:
"حافظوا على وطنكم لبنان قبل أن تجدوه في مزبلة التاريخ." مشدّدًا على الضرورة المضي نحو السلام، لا الاستسلام والعدالة لا الظلم والكرامة ولا التنازل، وهذه اسس يمكن للبنان أن ينهض عليها من جديد.

اللقاء المسكوني يعيد تعريف مفهوم التعايش

في ختام اللقاء المسكوني، خرجت ساحة الشهداء برسالة واحدة: أن لبنان، رغم جراحه وانقساماته، لا يزال قادرًا على جمع المختلفين تحت راية واحدة وسماء واحدة، وأن صوت الوحدة أقوى من ضجيج التفرقة.
بين مئذنة وجرس، تجدد العهد بأن السلام ليس أمنية بعيدة، بل هو خيار يومي ومسؤولية مشتركة نحو وطنٍ يُحفظ بالإرادة، ويُبنى بالمحبة، ويستمر بالرجاء.

أخبار ذات صلة

0 تعليق