عاد ملف اقتراع اللبنانيين في الخارج إلى واجهة السجالات السياسية، بعدما بادر وزير الخارجية يوسف رجّي لمحاولة وضع حدّ لجدل "المقاعد الستة المخصّصة للانتشار"، بتقدّمه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، باقتراح قانون لإلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب، وبالتالي السماح للمغتربين بالاقتراع للنواب الـ128 في دوائرهم الأصلية، بالتوازي مع دعوته جميع اللبنانيين المنتشرين إلى التسجيل وفق الأصول قبل انتهاء المهلة.
ولا يخفى على أحد أن الجدل الدائر حول قانون الانتخاب، ولا سيما في بند تصويت المغتربين، لا يقتصر على خلاف تقنيّ في النصوص، بل يعكس أيضًا صراعًا سياسيًا حول هوية المشاركة الانتخابية ومن يملك حق التأثير في نتائجها، ولا سيما أنّ المغتربين الذين شاركوا في انتخابات 2018 و2022، باتوا يُشكّلون وزنًا انتخابيًا لا يُستهان به، خصوصًا في الدوائر التي تشهد تنافسًا حادًا بين القوى التقليدية والمعارضة.
وإذا كان وزير الخارجية يحاول بهذه الخطوة "إنقاذ" تصويت المغتربين، بعد الكثير من الأقاويل حول احتمال إلغائه نتيجة السجالات القائمة، فإنّ اللافت كان قول رئيس الحكومة نواف سلام إنّه "لم يطّلع" على مشروع القانون المعجّل الذي تقدّم به رجّي، ما يفتح باب التساؤلات على مصراعيه، فهل "يمرّ" هذا التعديل عبر الحكومة ما قد يحرج مجلس النواب تاليًا، أم يفتح معركة سياسية جديدة يرى كثيرون أنّ الوقت غير مناسب لها؟
التعديل "ممنوع"؟
في سياق رصد المواقف السياسية إزاء هذا الملف، يبرز تأكيد معظم الأفرقاء التمسّك بالقانون، ورفض أيّ تعديلات عليه في هذا الوقت، خصوصًا في ظلّ رأي وازن لدى كثيرين بأنّ فتح الباب لتعديل قانون الانتخاب قبل أقلّ من عامٍ على موعد الاستحقاق قد يُدخل البلاد في دوامة من التأجيل غير المعلن، وهو ما يخشى المراقبون أساسًا أن يكون الهدف المضمر للقوى السياسية، والذي تتقاطع عليه مصالحها، مهما جاهرت بخلاف ذلك في العلن.
هنا، يبرز مثلاً كلام رئيس الحكومة نواف سلام الذي يقول إنّ الحكومة ماضية في تحضيراتها للانتخابات، انسجامًا مع احترامها للاستحقاقات الدستورية، وإنّ لا مجال لتأجيلها، وبالتوازي يبرز كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يشدّد في معرض تمسّكه بقانون الانتخاب الحالي، على أنّه "لا يتقدم عليه إلا الإنجيل والقرآن"، في إشارة واضحة إلى رفض أي تعديل عليه في المرحلة الراهنة، وهو المتهم من خصومه بإقفال الباب أمام أيّ بحث تشريعي جدّي في الامر.
لكن ثمّة من يعتبر أنّ تعديل قانون الانتخاب "ضروري" في كلّ الأحوال، حتى لو تقرّر السير مثلاً ببند "المقاعد الستّة"، باعتبار أنّه لم ينصّ صراحة لا على كيفية توزيعهم، ولا على طريقة انتخابهم، علمًا أنّ القوى المعارضة، وفي طليعتها "القوات اللبنانية"، تشدّد على أنّ حصر تمثيل المغتربين بستة مقاعد يشكّل خطوة إلى الوراء في مسار الإصلاح السياسي، وعلى أنّ التراجع عن هذا البند "حقّ ديمقراطي"، كما أنه يسهّل إنجاز الانتخابات في وقتها، وليس العكس.
جدلية العدالة الانتخابية
ترى القوى الرافضة لحصر تمثيل المغتربين بستة مقاعد أنّه لا يجوز معاقبة المنتشرين وتهميشهم بحصر تمثيلهم، لأن نتائج مشاركتهم السابقة لم تُرضِ بعض الأطراف، بل يجب تثبيت حقّهم في الاقتراع الكامل ضمن دوائرهم الأصلية، أسوةً بالمقيمين. ويشير نوابها إلى أنّ أكثر من ستين نائبًا سبق ووقّعوا عريضة لتعديل القانون، ما يجعل الخطوة الأخيرة جزءًا من مسارٍ مستمرّ وليس مبادرة مفاجئة، وبالتالي فإنّ على بري تحمّل مسؤولياته، والتجاوب مع مطالب النواب.
في مقابل هذا الرأي، يبرز موقف "الثنائي الشيعي" الذي ينظر إلى اقتراع المغتربين من زاوية مختلفة. فإضافةً إلى الحذر من تأثير أصوات الانتشار على التوازنات الداخلية، يطرح "حزب الله" وحركة "أمل" مسألة تكافؤ الفرص بين الناخبين، معتبرين أنّ المقترعين في الخارج لا يعيشون الظروف السياسية والأمنية ذاتها التي يعيشها المقيمون في لبنان، وبالتالي فإنّ مساواتهم التامة قد تخلّ بميزان العدالة الانتخابية.
ويرى ممثلو "الثنائي" أنّ العودة إلى تطبيق هذه المواد كما هي، أفضل من فتح باب تعديلٍ جديد قد يجرّ البلاد إلى أزمة قانونية وسياسية. إلا أنّ المعارضين يعتبرون أنّ هذه الحجة تخفي خلفها رغبة في تقليص مشاركة المغتربين الذين يميل جزء واسع منهم إلى التصويت لصالح قوى التغيير والمعارضة، كما أصبح واضحًا من الدورتين السابقتين. ويُذكّر هؤلاء بأنّ الإجراءات اللوجستية للاقتراع الخارجي ليست معقّدة، وقد تمّت بسلاسة في انتخابات 2022.
في خضم هذا التباين، يبقى المسار الدستوري هو الفيصل. فالمشروع المحال من وزير الخارجية يحتاج أولًا إلى تبنّي مجلس الوزراء، ليُحال بعد ذلك إلى مجلس النواب حيث يُقرّ بأكثرية الثلثين. إلا أنّ هناك من يخشى من الدور الذي يمكن أن يلعبه بري في هذا السياق، الذي يعتقد كثيرون أنه لن يسمح بفتح نقاشٍ تشريعيّ جديد في هذا الظرف، بل سيُبقي القانون كما هو ضمانًا لعدم تعطيل الاستحقاق المقبل، فأيّ أفق لهذه الأزمة؟
Advertisement
ولا يخفى على أحد أن الجدل الدائر حول قانون الانتخاب، ولا سيما في بند تصويت المغتربين، لا يقتصر على خلاف تقنيّ في النصوص، بل يعكس أيضًا صراعًا سياسيًا حول هوية المشاركة الانتخابية ومن يملك حق التأثير في نتائجها، ولا سيما أنّ المغتربين الذين شاركوا في انتخابات 2018 و2022، باتوا يُشكّلون وزنًا انتخابيًا لا يُستهان به، خصوصًا في الدوائر التي تشهد تنافسًا حادًا بين القوى التقليدية والمعارضة.
وإذا كان وزير الخارجية يحاول بهذه الخطوة "إنقاذ" تصويت المغتربين، بعد الكثير من الأقاويل حول احتمال إلغائه نتيجة السجالات القائمة، فإنّ اللافت كان قول رئيس الحكومة نواف سلام إنّه "لم يطّلع" على مشروع القانون المعجّل الذي تقدّم به رجّي، ما يفتح باب التساؤلات على مصراعيه، فهل "يمرّ" هذا التعديل عبر الحكومة ما قد يحرج مجلس النواب تاليًا، أم يفتح معركة سياسية جديدة يرى كثيرون أنّ الوقت غير مناسب لها؟
التعديل "ممنوع"؟
في سياق رصد المواقف السياسية إزاء هذا الملف، يبرز تأكيد معظم الأفرقاء التمسّك بالقانون، ورفض أيّ تعديلات عليه في هذا الوقت، خصوصًا في ظلّ رأي وازن لدى كثيرين بأنّ فتح الباب لتعديل قانون الانتخاب قبل أقلّ من عامٍ على موعد الاستحقاق قد يُدخل البلاد في دوامة من التأجيل غير المعلن، وهو ما يخشى المراقبون أساسًا أن يكون الهدف المضمر للقوى السياسية، والذي تتقاطع عليه مصالحها، مهما جاهرت بخلاف ذلك في العلن.
هنا، يبرز مثلاً كلام رئيس الحكومة نواف سلام الذي يقول إنّ الحكومة ماضية في تحضيراتها للانتخابات، انسجامًا مع احترامها للاستحقاقات الدستورية، وإنّ لا مجال لتأجيلها، وبالتوازي يبرز كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يشدّد في معرض تمسّكه بقانون الانتخاب الحالي، على أنّه "لا يتقدم عليه إلا الإنجيل والقرآن"، في إشارة واضحة إلى رفض أي تعديل عليه في المرحلة الراهنة، وهو المتهم من خصومه بإقفال الباب أمام أيّ بحث تشريعي جدّي في الامر.
لكن ثمّة من يعتبر أنّ تعديل قانون الانتخاب "ضروري" في كلّ الأحوال، حتى لو تقرّر السير مثلاً ببند "المقاعد الستّة"، باعتبار أنّه لم ينصّ صراحة لا على كيفية توزيعهم، ولا على طريقة انتخابهم، علمًا أنّ القوى المعارضة، وفي طليعتها "القوات اللبنانية"، تشدّد على أنّ حصر تمثيل المغتربين بستة مقاعد يشكّل خطوة إلى الوراء في مسار الإصلاح السياسي، وعلى أنّ التراجع عن هذا البند "حقّ ديمقراطي"، كما أنه يسهّل إنجاز الانتخابات في وقتها، وليس العكس.
جدلية العدالة الانتخابية
ترى القوى الرافضة لحصر تمثيل المغتربين بستة مقاعد أنّه لا يجوز معاقبة المنتشرين وتهميشهم بحصر تمثيلهم، لأن نتائج مشاركتهم السابقة لم تُرضِ بعض الأطراف، بل يجب تثبيت حقّهم في الاقتراع الكامل ضمن دوائرهم الأصلية، أسوةً بالمقيمين. ويشير نوابها إلى أنّ أكثر من ستين نائبًا سبق ووقّعوا عريضة لتعديل القانون، ما يجعل الخطوة الأخيرة جزءًا من مسارٍ مستمرّ وليس مبادرة مفاجئة، وبالتالي فإنّ على بري تحمّل مسؤولياته، والتجاوب مع مطالب النواب.
في مقابل هذا الرأي، يبرز موقف "الثنائي الشيعي" الذي ينظر إلى اقتراع المغتربين من زاوية مختلفة. فإضافةً إلى الحذر من تأثير أصوات الانتشار على التوازنات الداخلية، يطرح "حزب الله" وحركة "أمل" مسألة تكافؤ الفرص بين الناخبين، معتبرين أنّ المقترعين في الخارج لا يعيشون الظروف السياسية والأمنية ذاتها التي يعيشها المقيمون في لبنان، وبالتالي فإنّ مساواتهم التامة قد تخلّ بميزان العدالة الانتخابية.
ويرى ممثلو "الثنائي" أنّ العودة إلى تطبيق هذه المواد كما هي، أفضل من فتح باب تعديلٍ جديد قد يجرّ البلاد إلى أزمة قانونية وسياسية. إلا أنّ المعارضين يعتبرون أنّ هذه الحجة تخفي خلفها رغبة في تقليص مشاركة المغتربين الذين يميل جزء واسع منهم إلى التصويت لصالح قوى التغيير والمعارضة، كما أصبح واضحًا من الدورتين السابقتين. ويُذكّر هؤلاء بأنّ الإجراءات اللوجستية للاقتراع الخارجي ليست معقّدة، وقد تمّت بسلاسة في انتخابات 2022.
في خضم هذا التباين، يبقى المسار الدستوري هو الفيصل. فالمشروع المحال من وزير الخارجية يحتاج أولًا إلى تبنّي مجلس الوزراء، ليُحال بعد ذلك إلى مجلس النواب حيث يُقرّ بأكثرية الثلثين. إلا أنّ هناك من يخشى من الدور الذي يمكن أن يلعبه بري في هذا السياق، الذي يعتقد كثيرون أنه لن يسمح بفتح نقاشٍ تشريعيّ جديد في هذا الظرف، بل سيُبقي القانون كما هو ضمانًا لعدم تعطيل الاستحقاق المقبل، فأيّ أفق لهذه الأزمة؟
0 تعليق