فى ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التى يمر بها العالم، وبروز مفاهيم «السيادة الاقتصادية» والاعتماد على الذات، لم يعد شعار «صنع فى مصر» مجرد عبارة عاطفية تعزز الانتماء الوطنى، بل أصبح استراتيجية بقاء ومحركًا أساسيًا للتنمية المستدامة. إن دعم المنتج المحلى هو حجر الزاوية فى بناء اقتصاد قوى قادر على مواجهة الصدمات الخارجية وتقليل الفجوة الاستيرادية.
وتعد الفاتورة الاستيرادية الضخمة واحدة من أكبر التحديات التى تواجه الميزان التجارى المصرى. عندما يختار المستهلك المنتج المصرى بدلًا من المستورد، فإنه يسهم بشكل مباشر فىتوفير العملة الصعبة وتقليل الطلب على الدولار لاستيراد سلع استهلاكية يمكن إنتاجها محليًا، وكلما زاد الاعتماد على الإنتاج المحلى، قل الضغط على الجنيه المصرى، ما ينعكس إيجابًا على معدلات التضخم وأسعار السلع بشكل عام. ووراء كل منتج مصرى تشتريه، هناك آلاف الأيدى العاملة، كما أن تشجيع الصناعة الوطنية يعنى فتح خطوط إنتاج جديدة، وهذا يترجم إلى توفير فرص عمل للشباب والخريجين فى مختلف القطاعات الهندسية والكيميائية والمنسوجات والغذائية، وبالطبع زيادة الإنتاج تتطلب تدريبًا وتأهيلًا للعمالة، ما يرفع من كفاءة العنصر البشرى المصرى فى سوق العمل العالمية، كما أن الطلب المرتفع على المنتجات المحلية يرسل إشارة إيجابية للمستثمرين بأن السوق المصرية واعدة، وهذا يؤدى إلى ضخ رءوس أموال جديدة، لإنشاء مصانع وتطوير تكنولوجيا الإنتاج، والمنافسة بين المُصنعين المحليين تدفعهم لتبنى معايير الجودة العالمية والابتكار فى التصميم والتغليف؛ لكسب ثقة المستهلك.
إن الدولة التى تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع هى دولة تمتلك قرارها السياسى، والصناعة القوية تعنى مجتمعًا منتجًا لا مستهلكًا، وتعزز من مكانة مصر كمركز إقليمى للتصنيع والتصدير، خاصة مع الاتفاقيات التجارية مثل «إفريقيا الحرة».
تشجيع المنتج المصرى لا يعنى الانغلاق عن العالم، بل يعنى بناء قاعدة صناعية صلبة تجعلنا نصدر «القيمة المضافة» بدلًا من تصدير المواد الخام واستيرادها مصنعة بأضعاف أثمانها.
وإن شراء المنتج المصرى هو استثمار فى المستقبل، وهو قرار يعنى استمرار عمل مصنع، وبقاء عامل فى وظيفته، واستقرار الاقتصاد؛ لنبدأ بأنفسنا فى كل عملية شراء بسيطة، ولنجعل «صنع فى مصر» فخرًا لنا جميعًا.
يعد تشجيع المنتج المصرى ودعمه خيارًا استراتيجيًا وواجبًا وطنيًا يتجاوز مجرد فكرة الشراء والاستهلاك، فهو المحرك الأساسى لنهضة الاقتصاد القومى فى ظل التحديات العالمية الراهنة. إن إعطاء الأولوية للسلع المحلية يعنى مباشرة ضخ دماء جديدة فى شرايين الصناعة الوطنية، ما يسهم فى تقليل الفاتورة الاستيرادية وتخفيف الضغط على العملة الصعبة، الأمر الذى يؤدى بالضرورة إلى استقرار الأسعار وتحسين القوة الشرائية للجنيه، علاوة على ذلك، فإن كل منتج مصرى نختاره يمثل فرصة عمل حقيقية لشاب كافح ليتعلم، ودعمًا لأسرة مصرية تعتمد فى رزقها على استمرار دوران عجلة الإنتاج فى المصانع والورش. إن الاعتماد على الذات فى توفير الاحتياجات الأساسية والرفاهية هو أقصر الطرق نحو تحقيق «السيادة الاقتصادية»، حيث تتحول مصر من مجرد سوق مستهلكة للمنتجات الأجنبية إلى مركز صناعى واعد قادر على المنافسة والابتكار، وإن جودة المنتج المصرى تطورت بشكل ملحوظ لتواكب المعايير العالمية، وما نحتاجه اليوم هو التخلى عن «عقدة الخواجة» وترسيخ ثقافة الاعتزاز بالهوية الصناعية المصرية. إن دعمنا للصناعة المحلية ليس مجرد شعار، بل هو استثمار طويل الأمد فى مستقبل الأجيال القادمة، وضمانة لبناء دولة قوية تمتلك قرارها وتصنع نهضتها بأيدى أبنائها، فكل قطعة «صنعت فى مصر» هى لبنة فى جدار الأمن القومى والاقتصادى لوطننا الغالى.


















0 تعليق