بينما تحاول السلطات الجديدة في سوريا إعادة ترتيب البيت العسكري بعد سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي، تظهر مؤشرات على أن عملية بناء الجيش تدور في فلك الولاءات الضيقة والتعليم العقائدي، أكثر من اعتمادها على الخبرة والتنظيم العسكري التقليدي.
فبعد أن قام الشرع فور وصوله للحكم قبل نحو عامة بحلّ الجيش القديم بالكامل بدعوى أنه كان أداة للقمع طوال عقود، تواجه الحكومة الحالية مهمة ثقيلة تتمثل في إنشاء مؤسسة عسكرية جديدة يمكنها توحيد بلد خرج للتو من حرب طويلة وانقسامات عميقة.
قيادة جديدة… لكنها مقتصرة على الموالين
وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز على لسان شهادات جنود وقادة ومحللين، فإن الحكومة الجديدة تعتمد على دائرة ضيقة من الشخصيات المقربة من الرئيس الحالي أحمد الشرع — القيادي السابق في المعارضة — في المناصب العسكرية العليا، متجاهلة ضباطًا يمتلكون خبرة أكبر، سواء من المنشقين عن نظام الأسد أو من أصحاب الخلفيات العسكرية التقليدية.
ويقول مراقبون إن الجيش الجديد لم يضم حتى الآن أي عناصر من الأقليات الدينية أو العرقية، رغم أن سوريا بلد شديد التنوع وشهد خلال العام الماضي موجات عنف طائفي مؤلمة.
تدريب بطابع ديني
تُطبَّق في معسكرات التدريب أساليب مستوحاة من تجربة الفصائل المعارضة التي قادها الشرع سابقًا، والتي اعتمدت على التعليم الديني بشكل مكثف.
ففي أحد مراكز التدريب بمحافظة حلب، خُصّص الأسبوع الأول بالكامل لمحاضرات دينية، بينها درس طويل عن مولد النبي، وهو ما أثار تساؤلات واسعة بين الجنود حول جدوى هذا النوع من التدريب في مؤسسة عسكرية يفترض بها أن تكون وطنية الطابع.
وفي واقعة أثارت الجدل، فرض المدربون حظرًا صارمًا على التدخين داخل المعسكر. وأدى ذلك — وفق شهادات جنود — إلى انسحاب عشرات المجندين فورًا، وطرد آخرين بسبب مخالفة القرار، ليتبقى فقط نحو 600 مجند من أصل 1400 بعد ثلاثة أسابيع.
الجيش الجديد ولاء قبل الكفاءة
تقول تقارير عدة إن المعيار الأول للترقية في الجيش الجديد هو الولاء للرئيس الشرع وجماعته السابقة، لا المؤهل العسكري.
ويذكر باحثون أن بعض قادة الكتائب الجدد لا يمتلكون شهادة تعليمية تتجاوز الصف التاسع، ومع ذلك تولّوا مواقع حساسة بسبب قربهم من القيادة.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن معظم المقاتلين الذين جاؤوا من الفصائل المتمردة يتمتعون بخبرة في حرب العصابات، لكنهم يفتقرون إلى الخبرة في الجيوش النظامية، التي تتطلب معرفة بالهياكل القيادية وفروع الأسلحة المختلفة كالطيران والبحرية والمشاة.
إقصاء الأقليات
لا تزال الحكومة مترددة في السماح للأقليات — وخصوصًا العلويين والشيعة — بالانضمام إلى الجيش، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تفجّر احتكاكات طائفية جديدة في بلد أنهكته سنوات من الصراع الدموي.
بينما يرى آخرون أن جيشًا يعكس تنوع المجتمع السوري سيكون خطوة أساسية لبناء الثقة ومنع الانقسامات مستقبلًا.
ويقول ضابط سابق انضم مؤخرًا للجيش الجديد إن بعض القادة الجدد لا يعرفون حتى ترتيب الرتب العسكرية، وإن التعيينات كثيرًا ما تعتمد على القرب من الرئيس الشرع لا على الخبرة.
الاعتماد على شبكة ضيقة من الموالين يجعل — وفق محللين — دمج قوات سوريا الديمقراطية ذات الهيكل القوي والمنظمة جيدًا أمرًا بالغ الصعوبة، رغم المفاوضات المستمرة منذ أشهر دون نتائج ملموسة.
اتفاق مبدئي مع تركيا… لكن بدون تسليح
كشفت الحكومة السورية عن اتفاق أولي مع تركيا لتطوير برامج التدريب العسكري، دون أي التزامات متعلقة بتسليم أسلحة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق.
وفي خضم هذه الانتقادات، يعبّر بعض القادة عن قلقهم من غياب أي تدريب يتعلق بالقانون الدولي الإنساني أو قواعد الاشتباك.
ويقول عمر الخطيب — مقاتل سابق وقائد حالي في حلب — إنه كان يتمنى وجود قسم متخصص داخل الجيش يهتم بالتوعية السياسية ومنع الانتهاكات، معتبرًا أن هذا "أهم بكثير من الاكتفاء بمحاضرات دينية عامة يعرفها الجميع أصلًا".












0 تعليق