هل يمكن أن يَتسبب الريجيم فى الوفاة بدلًا من تحسين حياتك؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد ما أثير مؤخرًا عن وفاة إحدى المذيعات على خلفية اتباعها نظامًا غذائيًا قاسيًا، عاد السؤال الصادم إلى الواجهة: هل يمكن أن يؤدى «الدايت» بالفعل إلى الموت؟

الإجابة العلمية المؤسفة: نعم، ففى بعض الحالات يصبح الريجيم غير المدروس خطرًا مباشرًا على الحياة، ليس لأن فقدان الوزن بحد ذاته مميت، بل لأن ما لا يدركه الكثيرون أن الطرق الخاطئة والمتطرفة لإنقاص الوزن قد تضع الجسم فى ظروف طبية شديدة الخطورة.

هوس نزول الوزن

منصات التواصل الاجتماعى وصناعة الجمال المثالى، حيث يتم الترويج للنحافة الشديدة باعتبارها معيار القَبول والجاذبية والنجاح. تتعرض النساء والرجال أيضًا وخاصة المشاهير لضغط نفسى كبير يدفعهم لمحاولات إنقاص وزن سريعة بأى وسيلة، حتى لو كانت على حساب صحتهم. ومع انتشار صور الجسم المثالى غير الواقعية، ووصفات الريجيم السريع، وتحديات خسارة الوزن خلال أسابيع والتى يروج لها الكثيرون سواء من غير المختصين أو حتى من بعض المختصين أنفسهم، يبدأ كثيرون رحلة خطيرة دون وعى بطبيعة الجسم أو احتياجاته.

التأثير الصحى المباشر للريجيم القاسى

من الناحية الطبية، يبدأ الخطر عند اتباع ما يُعرف بـالريجيم القاسى، والذى يعتمد على الامتناع شبه الكامل عن الطعام، أو الاكتفاء بنوع غذاء واحد، أو تقليل السعرات بشكل مبالغ فيه، أو استخدام مشروبات وأدوية وأعشاب للتخسيس دون توافر معلومات كاملة عن الأعراض الجانبية المحتملة حتى الآن. فى هذه الحالة يدخل الجسم فى وضع أشبه بالمجاعة، فتختل مستويات الأملاح والمعادن الأساسية مثل البوتاسيوم والماغنسيوم، وهى عناصر ضرورية لاستقرار ضربات القلب ووظائف العضلات والأعصاب. نقص هذه العناصر قد يؤدى إلى اضطراب نظم القلب المفاجئ أو هبوط حاد فى ضغط الدم وسكر الدم، ما يسبب إغماء وقد يصل إلى السكتة القلبية.

أعراض جانبية حادة

كشفت دراسات طبية عن أن فقدان الوزن السريع جدًا قد يؤثر مباشرة فى كهرباء القلب، ويزيد من احتمالية اختلال ضرباته، خصوصًا لدى من يعانون أمراضًا مزمنة أو إجهادًا بدنيًا شديدًا. كما أن حالات الصيام الطويل أو سوء التغذية المزمن ترتبط بحدوث ما يعرف بـ«متلازمة إعادة التغذية»، وهى حالة طبية خطيرة قد تحدث عند تناول الطعام فجأة بعد فترات الجوع القاسى، فيحدث خلل حاد فى السوائل والأملاح داخل الجسم، وقد يؤدى إلى فشل فى القلب أو التنفس أو الكُلى، وسُجلت بالفعل حالات وفاة مرتبطة بهذه المتلازمة فى الأدبيات الطبية.

مكملات التخسيس.. الخطر الخفى

ولا يقل خطرًا عن ذلك الاستخدام العشوائى لمكملات وأدوية التخسيس المنتشرة عبر الإنترنت ومواقع التواصل. أظهرت دراسة منشورة فى مجلة «نيو إنجلاند الطبية» أن أغلب زيارات الطوارئ المرتبطة بالمكملات الغذائية كانت بسبب منتجات فقدان الوزن والطاقة، لما تسببه من تسارع شديد فى ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم واضطرابات عصبية قد تصل إلى الإغماء والجلطات. هذه المنتجات غالبًا ما تُسوّق بوصفها عشبية وآمنة، رغم احتوائها فى كثير من الأحيان على مواد كيميائية محظورة أو منبهات خطيرة لا تخضع لأى رقابة دوائية حقيقية. وأشهرها الغش بمادة السبوتـرامين «Sibutramine»، وهى مادة دوائية محظورة دوليًا منذ سحبها من الأسواق عام 2010 بعدما ثبت علميًا أنها تزيد من خطر الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم واضطراب ضربات القلب.

اضطرابات نفسية قاتلة

ويؤكد الخبراء أن اضطرابات الأكل نفسها وعلى رأسها مرض فقدان الشهية العصبى تُعد من أعلى الاضطرابات النفسية من حيث معدل الوفاة عالميًا، سواء بسبب المضاعفات الجسدية الناتجة عن الجوع الشديد أو بسبب الاضطرابات النفسية المصاحبة. وهو ما يوضح أن السعى المحموم للنحافة ليس مجرد مشكلة شكلية أو اجتماعية، بل قضية صحية ونفسية تهدد الحياة.

وسط هذا المشهد، يصبح واجبًا التأكيد أن الدايت الصحى لا يقتل، بل يحمى الصحة ويقى من الأمراض عندما يُمارَس بشكل علمى متوازن، يحقق فقدانًا تدريجيًا وآمنًا للوزن، ويحافظ على التنوع الغذائى، ويخضع لإشراف طبى أو تغذوى متخصّص. الخطر الحقيقى يكمن فى الطرق العنيفة والمنتجات المضللة والانسياق خلف ضغط المجتمع وصور «الجسد المثالى» المزيفة وأن الأصل فى اتباع نظام غذائى هو تحسين جودة الحياة وليس العكس.

إن أجسادنا ليست ساحة لتجارب ترندات السوشيال ميديا، ولا ينبغى أن يكون ثمن الرضا المجتمعى هو الصحة أو الحياة. فالنحافة ليست مرادفًا للجمال، والجمال الحقيقى يبدأ من جسد سليم ونفس مستقرة والتوقف فورًا عن اتباع أى نظام غذائى يتسبب فى أعراض صحية غير مرغوب فيها.

والخلاصة أن الوقاية تبدأ بالوعى: لا ريجيم دون مختص، ولا فقدان وزن سريع مهما كانت الإغراءات، ولا استخدام لأى منتج تخسيس غير معتمد طبيًا. فقدان الوزن رحلة علاج وتحسين نمط حياة.. لا مغامرة قد تنتهى بمأساة.

أخصائى التغذية العلاجية والصحة العامة

أخبار ذات صلة

0 تعليق