هل تصمد باماكو أمام تكتيكات القاعدة؟

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يرى متخصصون في شئون الساحل أن ما تشهده مالي خلال الأسابيع الأخيرة ليس مجرد انفراجة عابرة في أزمة الوقود، بل علامة على اتجاه جديد تتبناه القوى الأمنية في إدارة الصراع مع تنظيم القاعدة، وهو اتجاه يفتح بابًا حذرًا للأمل رغم كثافة الشكوك.
فقد كانت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة قد فرضت حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو، وأعاقت وصول شاحنات الوقود إليها، ما تسبب في شلل شبه كامل للمدينة وتراجع مظاهر الحياة اليومية فيها.
كما أعادت عودة الوقود إلى المحطات خلال الأيام الماضية، وفق خبراء الساحل، شيئًا من الحركة إلى العاصمة ومنحت السكان شعورًا بالارتياح، لكنه ارتياح مشوب بالخوف، فالناس يدركون أن الأزمة لم تنتهِ وأن أي انفراجة قد تكون مجرد استراحة بين موجتين.
للمرة الأولى منذ مطلع سبتمبر عادت باماكو إلى إيقاعها الطبيعي. بفضل مرافقة الجيش المالي للقوافل وتشديد التأمين على الطرق وتسريع إجراءات الجمارك، تدفقت الشحنات مجددًا إلى المحطات واختفت الطوابير الطويلة التي تحولت إلى أحد رموز الأسابيع العصيبة الماضية. 
ونقلت إذاعة "آر إف إي" عن سكان العاصمة مشاعر امتزج فيها الارتياح بالتوجس، فعودة الازدحام المروري بالنسبة للبعض ليست مصدر ضيق هذه المرة، بل إشارة على عودة الحياة، بينما يرى آخرون أن الأمان ما زال هشًا، وأن تخزين الوقود سرًا يعكس انعدام الثقة في استقرار الوضع.
وبينما تستعيد باماكو بعض توازنها، تبقى مدن عدة مثل سيغو وسان وكوتيالا وموبتي وكوليكورو تحت وطأة نقص حاد، في انتظار وعود السلطات بتأمين الإمدادات خلال الأيام المقبلة.


كما ترافق التحسن الظاهري مع تصعيد واضح في نشاط الجيش والقوات الرديفة له، خصوصًا عناصر "فيلق أفريقيا" الروسية، فقد كثفت القوات عمليات مرافقة القوافل والانتشار على الطرق الحيوية، في محاولة لاختراق الحصار واستعادة السيطرة على مناطق النفوذ، لكن طرقًا كثيرة ما زالت غير آمنة، والجماعات الإرهابية أعلنت استعدادها لـ"تصعيد جديد"، ما يعني أن الصورة الأمنية لا تزال هشة.

اختبار القوة


ويرى الخبراء أن الإجراءات الحالية تتجاوز مجرد إعادة تشغيل إمدادات الوقود، إنها، بحسب وصفه، "اختبار لقدرة الدولة على استعادة الهيبة"، مؤكدين أن نجاح هذه الإجراءات لمدة ثلاثة أشهر متتالية سيكون أول ضربة فعلية لبنية التنظيم المسلحة، إذ يعتمد التنظيم على تعطيل خطوط الإمداد أكثر من اعتماده على السيطرة الجغرافية.
كما تمثل حماية القوافل اختبارًا ضروريًا لكنه غير كافٍ، فاستمرار مرافقة الشاحنات وتأمين الطرق يحتاج إلى جهد طويل ومتسق، لا تحققه عمليات متقطعة، وقد يلجأ الإرهابيين إلى تعديل تكتيكاتهم، والانتقال من ضرب القوافل إلى استهداف مؤسسات حكومية أو مدنية، إذا شعروا بأن نفوذهم ينحسر.
وأكد الخبراء، أن المعالجة الأمنية وحدها غير قادرة على ضمان استقرار طويل، وأن منع التنظيمات من إعادة تجنيد الشباب يقتضي معالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي استمرار الأزمة. 
ويرى أن الخطوة المقبلة قد تتمثّل في بناء "آلية أمن جماعية للساحل" تسمح بتنسيق إقليمي فعّال بدلًا من البناء على جهود منفردة، ما قد يشكل نواة لاستجابة أفريقية شاملة.
ويعتبر أن الوضع الحالي "إشارة مهمة لكنها غير حاسمة". فالقوات المالية قادرة على الضغط ميدانيًا، لكنها تعاني محدودية في القدرات الجوية والاستخباراتية، إذ أن كسر شوكة التنظيم يتطلب ثلاث ركائز: فرض السيطرة على الطرق لمدة لا تقل عن ستة أشهر، مراقبة الحدود لقطع التمويل، وتنفيذ عمليات نوعية تستهدف قادة الصف الأول.
وأشار الخبراء إلى البعد الجيوسياسي للصراع، فروسيا تسعى إلى توسيع نفوذها الأمني في مالي، بينما تحاول فرنسا إعادة التمركز سياسيًا، ما يجعل الأزمة جزءًا من صراع نفوذ دولي متشابك، وليس مجرد مواجهة محلية مع الإرهاب.

سيناريوهات محتملة


وفي قراءة السيناريوهات المحتملة، طرح الخبراء ثلاثة مسارات رئيسية:
الأول وهو الأكثر واقعية، نجاح الجيش في فرض معادلة جديدة وتراجع قدرة التنظيم على تعطيل الإمداد، ما يتيح بداية تفكك نفوذ الجماعات المسلحة في الوسط والجنوب لأول مرة منذ 2015.
الثاني، عودة التنظيم إلى الهجمات النوعية المكثفة، ما يؤدي إلى انهيار سريع للثقة الشعبية وعودة الفوضى.
أما الثالث، فهو خيار لا يمكن استبعاده تمامًا: مفاوضات سرية بين السلطات والتنظيم بهدف تجنب استنزاف طويل.
بين الانفراجة الحالية والمخاوف الكامنة، تقف مالي على مشارف مرحلة انتقالية لا يزال اتجاهها غير محسوم، نجاح الدولة في تحويل هذا الاختبار إلى نقطة تحول حقيقية مرهون بقدرتها على الجمع بين الأمن والتنمية، وبين إدارة اللحظة ومعالجة جذور الأزمة.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق