لبنان.. المأساة والحل

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 25/نوفمبر/2025 - 03:10 م 11/25/2025 3:10:27 PM

 

لازالت لبنان تتأرجح بين نيران اسرائيل وتصدعات الداخل.. استباحة متواصلة من العدو وغياب القرار من الحكومة.. فلم تعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية حدثا استثنائيا بل تحولت إلى مشهد يومي من الخروقات والاغتيالات المركزة التي كان أخطرها سلسلة الاستهدافات التي طالت قادة حزب الله بدءا من القائد حسن نصر الله ومعاونيه ووصولا إلى هيثم الطبطبائي رئيس اركان حزب الله بالأمس في رسالة واضحة بأن تل أبيب باتت تنفذ ما تشاء داخل العمق اللبناني من دون أن تجد من يردعها أو حتى يحاول ايقاف العدوان.
هذه التطورات لا يمكن قراءتها بمعزل عن واقع لبنان الممزق ولا بمعزل عن الخلل في هيكلة النظام الذي يضرب الدولة منذ سنوات حيث لا قرار مركزي موحد ولا سيادة تمارس فعليا  .. فحزب الله يمثل دوله داخل دوله وميليشياته اقوي من الجيش النظامي للدولة.. والحكومة لا تمتلك القدرة أو الإرادة للقول لإسرائيل أو حتى لحزب الله ( كفي.. نريد سلاما وامنا واستعاده السياده علي اراضينا ).
الاغتيالات الدقيقة والاستهداف الممنهج لقادة الصف الأول داخل حزب الله يكشف عدة حقائق:
1. اختراق استخباراتي عميق يسمح بالوصول إلى مواقع قيادية محصنة.
2. إرادة سياسية في تل أبيب لنقل المعركة إلى مستوى “قطع الرؤوس” وليس مجرد تبادل اطلاق نيران عبر الحدود.
3. اختبار صريح لقدرة حزب الله على امتصاص الضربات ومدى تأثيرها على تماسك التنظيم.
الاغتيالات الأخيرة ليست مجرد عمليات عسكرية بل اكتشاف لقوة احد أكبر الجماعات المسلحة في المنطقة.
الحقيقه المرة ان اسرائيل لا تصل إلى أهداف بهذا الحجم دون مساعدة من الداخل.. فالتاريخ العسكري والفني يؤكدان ان أي عملية اغتيال من هذا النوع لا تتم إلا عبر اختراق بشري أو ثغرات لوجستية أو تعاون من دوائر قريبة جدًا من القيادات والخيانات داخل حزب الله ثغرات لا يمكن تجاهلها
والحديث عن وجود هذه الخيانات داخل حزب الله لم يعد همسا بل أصبح فرضية مطروحة بقوة خاصة مع تكرار نفس السيناريو.. تحركات قيادات بارزة ترصد بدقة… ثم يتم استهدافهم خلال دقائق.
هذا النوع من الضربات يهز أي تنظيم مسلح مهما بلغ من قوة التسليح أو الصلابة العقائدية.
لبنان الان دولة بلا قرار وحكومة مكبلة تقف في موقع بالغ الصعوبة فليس لديها قدرة على نزع سلاح حزب الله لأن ذلك يعني صدامًا داخليًا يفوق قدرة الدولة.. ولا قدرة لها على مواجهة إسرائيل لأنها لا تملك أدوات الردع ولا وحدة القرار السياسي والاخطر انه لا قدرة لها  على ضبط الحدود أو فرض السيادة في ظل انقسام  يضرب البنية السياسية والطائفية.
لبنان في المعادلة الحالية أشبه بسفينة بلا ربان تبحر في مياه إقليمية ملتهبة وتترك التيارات تحدد مصيرها.
حزب الله ما يزال يرفع راية المقاومة لكنه بات في نظر كثير من اللبنانيين يشكل عبئا على الدولة لأنه يملك سلاحًا خارج سلطة المؤسسات ويقرر الحرب والسلم نيابة عن الدولة ويجذب الضربات الإسرائيلية إلى قلب لبنان وله امتدادات إقليمية ايرانيه تتجاوز حدود البلاد.
هذا الازدواج في السلطة جعل لبنان يدفع أثمانًا سياسية واقتصادية وهو غير قادر على تغيير المعادلة.
اعتذر للاطاله لكن يجب ان نفكر ماهو  الحل؟
الوضع لا يحتمل شعارات والحلول المثالية غير قابلة للتطبيق.
لكن هناك من وجهه نظري مسارا واحدا واقعيا يمكن أن يخرج لبنان من المأزق بالخطوات التالية:

- عقد مؤتمر لبناني إقليمي بضمانات دولية يعاد فيه تنظيم العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله بحيث يتم دمج جزء من قدرات الحزب داخل الجيش تحت إطار قوة دفاع لبنانية موسّعة مع ترك الجناح السياسي يعمل تحت سقف الدولة فقط وتجميد أي عمليات هجومية عبر الحدود.
-التفاوض على اتفاق تهدئة مع إسرائيل.. ليس سلاما بل وقف اعتداءات مشروط بضمانات دولية حفاظًا على سيادة لبنان ومنعًا لتكرار سيناريو الاغتيالات.
-إعادة بناء وحدة القرار داخل الدولة عبر إصلاحات سياسية تضمن أن السلاح وقرار الحرب في يد واحدة فقط..وهو الدولة اللبنانية.
- فتح ملف الاختراقات داخل حزب الله فأي تنظيم يتعرض لاختراقات من هذا النوع يحتاج إلى مراجعة شاملة وإلا ستستمر إسرائيل في ضربه من الداخل قبل الخارج.
وختامًا المشهد اللبناني اليوم واستمرار الوضع كما هو يعني أن لبنان سيظل ساحة مفتوحة لكل اللاعبين.. اسرائيل تضرب وحزب الله يرد أو يصمت والدولة تقف في المنتصف عاجزة كمن يشاهد سقوط بيته حجرا حجرا دون أن يمتلك أدوات الإصلاح أو الدفاع.

لبنان يحتاج قرارا لا بيانا وحلًا لا خطابًا وإذا لم يتحرك الآن فإن الثمن القادم قد يكون أكبر من اغتيال قائد أو تدمير مبنى قد يكون انهيار الدولة نفسها.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق