تنفرد مصر بنظام إدارى غريب، هو الإدارة بالقرارات التى تصدرها اللجان، وهو نوع غريب من الإدارة يعتمد على فكرة عدم تحمل فرد واحد مسئولية القرار، ليسهل التبرؤ منه فيما بعد، اعتمادًا على أن هناك لجنة رأت ما لم يره صاحب القرار.
هذا النوع من الإدارة نشأ فى ظل الخوف البيروقراطى من المسئولية، والذى يتسم به الموظف المصرى.
ولأن الثقافة فى مصر تتولاها وزارة الثقافة، فقد تسللت البيروقراطية إلى الوزارة فى معظم مؤسساتها.
لا أعرف جهة حكومية أو هيئة فى مصر حسب معلوماتى المتواضعة، يضاهى عدد لجانها، عدد لجان المجلس الأعلى للثقافة، سوى اتحاد كتاب مصر.
يُذكر أن المجلس الأعلى للثقافة يضم ٢٤ لجنة نوعية موزعة على أربع شعب رئيسية، هى:
شعبة السياسات وتضم ٧ لجان هى: الشباب، الثقافة العلمية، الثقافة الرقمية، تطوير الإدارة الثقافية، حماية الملكية الفكرية، التراث الثقافى غير المادى، ومواجهة التطرف والإرهاب.
شعبة الفنون وتضم ٥ لجان هى: المسرح، السينما، الفنون التشكيلية والعمارة، الموسيقى والأوبرا، وفنون الطفل.
شعبة الآداب وتضم ٤ لجان هى: لجنة الدراسات الأدبية، لجنة السرد القصصى، والشعر، والترجمة.
شعبة العلوم الاجتماعية، وتضم ٨ لجان هى: الإعلام، الاقتصاد والعلوم السياسية، التاريخ والآثار، التربية وعلم النفس، الجغرافيا والبيئة، الفلسفة وعلوم الاجتماع، لجنة الكتاب والنشر، وثقافة القانون والمواطنة وحقوق الإنسان.
وبقراءة سريعة لنوعيات تلك اللجان، نجد أن من بينها لجانًا غريبة، ولا نعلم على اليقين أى منجز من منجزات تلك اللجان، ولا نتائج اجتماعاتها، ولا القرارات المهمة التى اتخذتها. بل هى لجان تجتمع لإلقاء الكلمات وقبض البدلات وتنصرف، وفى آخر العام يعقد مؤتمر الجوائز وتدلو كل لجنة بدلوها فى اختيار الفائزين.
وبعض تلك اللجان لا نسمع له صوت أبدًا ولا يتدخل فى فحص الجوائز أو توجد له فائدة على الإطلاق.
ويمكن أن تحال الموضوعات التى تبحثها تلك اللجان إلى وزارات وجهات متخصصة أخرى، ومن أمثلة تلك اللجان: لجنة علوم الإدارة، ولجنة الدراسات الأدبية، والدراسات الاجتماعية، ولجنة علم النفس، ولجنة القانون، ولجنة الجغرافيا، ولجنة العلوم السياسية، ولجنة الثقافة العلمية، ولجنة الاقتصاد، وغيرها.
الواقع أن عدد لجان المجلس ٢٤ لجنة، وفى كل لجنة ما لا يقل عن خمسة عشر عضوًا، أى إن أعضاء تلك اللجان جميعًا يصبح أكثر من ستمائة عضو، وهو رقم مخيف.
ولا نستغرب إذا قلنا إن أعضاء تلك اللجان يصرف لهم مقابل جلسات، بمعدل مائة جنيه على الأقل لكل عضو فى الجلسة الواحدة، ما لم تكن قد تمت زيادته فى هوجة زيادة مخصصات اللجان الماضية، فإننا إذا اعتبرنا أن كل لجنة ستعقد اجتماعًا واحدًا فى الشهر، فإننا نجد الدولة مطالبة بتدبير ستين ألف جنيه شهريًا، غير رواتب ومكافآت الموظفين وبدلات الانتقال والإدارة، واستهلاك أدوات كتابة وكهرباء وأجهزة وإضاءة، وغيرها من النفقات. وهو ما دفعنى إلى طرح سؤال برىء، حول جدوى تلك اللجان الكثيرة العدد. وكيف يمكن لموظفى المجلس متابعة العمل بتلك اللجان والاقتراحات المنبثقة عنها، فضلًا عن طريقة اختيار أعضاء تلك اللجان، ومدى الشفافية فى اختيارهم، وما إذا كان هناك إقصاء لتيار معين، أم أن الأمر قد اقتصر على مجموعة من المثقفين قريبين من مصدر القرار، أو الوسط الثقافى القابع فى مقاهى القاهرة. وهو الأمر الذى يلقى بظلال قاتمة، على طريقة اختيار أعضاء تلك اللجان، ومدى مساهماتهم فى إثراء الحركة الثقافية فى مصر.
ونرى أنه إذا اختفى هذا المجلس من الحركة الثقافية فى مصر، فلن تخسر الثقافة المصرية الكثير، والحق أنه لا يمثل الثقافة المصرية، ولكنه يمثل ما يعرف بثقافة النخبة.
نحن لا نحتاج الكثير من ثقافة الضجيج والصوت المرتفع التى كانت سائدة، ولا تزال، بقدر حاجتنا إلى ترسيخ معانى الولاء لمصر، من خلال انتهاج ثقافات تدعم فكرة الانتماء والمواطنة وإعلاء القيم الوطنية العليا، وتكريس أفكار العمل والإنتاج ورفع مستوى المعيشة الفعلى.
كما نرى أن أمام وزير الثقافة ملفات يجب متابعتها والاهتمام بها، ومنها: إعادة النظر فى تكوين المجلس الأعلى للثقافة فى ضوء هذا العدد الكبير من لجان المجلس الأعلى، والاكتفاء بخمس أو ست لجان فقط، مع وضع معايير صارمة لعضوية تلك اللجان، من بين المثقفين والكتاب الجادين والمعروف عنهم الصدق والنزاهة من مختلف التيارات الثقافية دون الاكتفاء بتيار واحد، كما هو واضح من تشكيل لجان المجلس الحالية.
صحيح أن الأمر يحتاج إلى تعديل تشريعى، وفى نفس الوقت لا ينبغى أن يظل المثقفون لا يشعرون بأن هناك ثورة اجتماعية واقتصادية قد قامت فى مصر، لتفسح المجال لجميع التيارات.
وتلك الملفات التى ينبغى أن ينظر إليها وزير الثقافة:
ملف جوائز الدولة، واختيار بديل للطريقة التى يتم بها التعامل مع تلك الجوائز التى تمثل الدولة وهيبتها وكرامتها، ومنها وضع معايير واضحة للأعمال المقدمة لنيل تلك الجائزة، تمامًا كالمعايير التى تضعها الجوائز العالمية والدولية، ووضع تقييم شامل للشخصيات التى ترشحها بعض الجهات لنيل الجوائز العليا عن مجمل أعمالهم، والكثير منها مجاملة لموظفى تلك الجهات، وإن تخصص جائزة للراحلين الذين لم يتم تكريمهم فى حياتهم لسبب أو لآخر.
كما ينبغى فى الوقت نفسه إعادة النظر فى حق بعض الجهات التى لها حق ترشيح أفراد لجوائز الدولة، ومن بينها الجامعات التى لا ترشح سوى أساتذتها العاملين بها.
وكذلك وضع معايير استرشادية ليتم الاختيار بموجبها، ومنع تكرار الأنشطة فى مؤسسات وزارة الثقافة، ومنها النشر والترجمة، وأن يكون هناك تنسيق بين مؤسسات الوزارة لوضع سياسات واضحة للوزارة فى مجالات النشر والترجمة والمؤتمرات، وتجميع جهات النشر فى هيئة واحدة بدلًا من توزيعها على كل هيئات الوزارة.

















0 تعليق