تصاعد توتر سوري داخلي جديد بعد وقوع اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وبعض الفصائل الموالية للحكومة السورية الانتقالية، وذلك على خلفية اتهام "قسد" لهذه الفصائل بأنها تحمي عصابات تنظيم داعش الإرهابي الذي شن هجومًا ضد قواتها منطلقًا من هذه المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل الموالية للحكومة.
ولم يطل الاشتباك بين الطرفين، إذ أكدت "قسد" المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعودة الهدوء إلى منطقة جبهة غانم العلي شرقي الرقة بعد القصف المدفعي الذي نفّذته الفصائل التابعة لحكومة دمشق على المنطقة، دون أن يخلّف أي خسائر بشرية أو مادية، بحسب بيانات المكتب الإعلامي لـ"قسد".
وحمّلت "قسد" فصائل الحكومة المسؤولية المباشرة عن هذا التصعيد، والذي يشكّل محاولة لخلق توتر أمني في المنطقة وتعريض حياة المدنيين للخطر. كما أكدت أن قواتها ملتزمة بضبط النفس، مع احتفاظها الكامل بحق الرد على أي اعتداء يستهدف مناطقنا أو يهدد أمن واستقرار المنطقة.
توتر بين "قسد" والحكومة في دمشق
وكانت "قسد" قد شنت هجومًا على بعض النقاط العسكرية التابعة لفصائل موالية للحكومة الانتقالية في دمشق، وهو ما اعتبرته الحكومة نوعًا من الغدر وجعلها ترد على هجوم "قسد" بقصف مدفعي.
وبررت "قسد" هجومها على نقاط عسكرية تابعة للحكومة السورية بأن هذه المناطق جرى استخدامها من قبل عناصر تنظيم داعش في الهجوم بطائرات مسيرة على قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يثر الشكوك حول حقيقة العلاقة بين بعض فصائل الحكومة الانتقالية وعصابات التنظيم الإرهابي.
ووفقا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي لـ"قسد"، الخميس الماضي، فإن قوات سوريا الديمقراطية تعاملت مع عدد من المواقع التي استخدمتها عناصر تنظيم داعش الإرهابي بشكل مباشر لإطلاق طائرات مسيّرة (درونات) باتجاه نقاط تمركز "قسد" في بادية غانم العلي شرقي الرقة.
وأضاف البيان أن المنطقة تعرضت خلال الأسبوع الجاري لسلسلة هجمات من فصائل تابعة لحكومة دمشق، بالتوازي مع نشاط عناصر التنظيم الذين استخدموا تلك المواقع فعليًا في تنفيذ هجماتهم الإرهابية.
مسيرات لـ "داعش" تنطلق ضد "قسد"
وبحسب البيان، فإن "قسد" نشرت مشاهد موثّقة تُظهر بوضوح استخدام داعش لهذه النقاط كقواعد لإطلاق الطائرات المسيّرة، بما يؤكد حصول تنسيق مباشر بين عدد من فصائل حكومة دمشق وعناصر التنظيم الإرهابي في استهداف نقاطنا العسكرية وتهديد أمن المنطقة.
وشددت قوات سوريا الديمقراطية على أن قواتها تواصل عملياتها الميدانية لتعطيل مصادر الهجوم، وتعزيز حماية خطوطنا ونقاطنا العسكرية، مع التأكيد على التزامنا الكامل بالدفاع المشروع عن مناطق شمال وشرق سوريا ودرء أي تهديد إرهابي يستهدف المدنيين أو قوات "قسد".
يشار إلى أن قوات سوريا الديمقراطية بهذا البيان قد وجهت اتهامات للفصائل التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق بأنها تسيطر على مناطق تنشط فيها عصابات التنظيم الإرهابي، وهو ما يثير الأسئلة حول حقيقة انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهل هي جادة بالعفل في مجابهة تمدد خلايا وعصابات التنظيم الإرهابي؟
ويعد اتهام "قسد" للحكومة السورية بأن بعض فصائلها تحمي عصابات داعش، وتتخذ مناطقها للهجوم عليها، يضع الحكومة الانتقالية في مأزق جديد ويعزز الشكوك حول جديتها في مجابهة وتقويض تنظيم داعش الإرهابي.
انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد داعش
بعد إعلان انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وضعت الإدارة الانتقالية في دمشق نفسها في عدة مآزق، أبرزها تحريض داعش ضدها، إلى جانب تشكيك حلفاء الحكومة من التنظيمات المسلحة المختلفة، خاصة وأن هيئة تحرير الشام التي سيطرت على السلطة في سوريا كانت قد ألقت القبض على قيادات وخلايا تابعة لتنظيمات أخرى أبرزها تنظيم "حراس الدين" الذي أعلن عن حل نفسه بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وأثار انضمام الرئيس السوري أحمد الشرع إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف نوفمبر الجاري، التكهنات عن مدى العلاقات السرية التي جمعت بينه وبين قوات التحالف قل وصوله إلى السلطة في دمشق، وهو ما جعل الرئاسة السورية تخرج لنفي أي علاقة بين الرئيس الشرع وبين التحالف الدولي أثناء مرحلة القتال ضد النظام السابق.
وقالت مديرية الإعلام في الرئاسة السورية إن المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين الشرع وبين التحالف الدولي غير صحيحة، ونفت وجود أي تعاون بين الشرع وبين التحالف منذ العام 2016.
داعش تعلن القتال ضد الإدارة الانتقالية
وهاجم التنظيم الإرهابي الحكومة الانتقالية في دمشق، وخاصة زيارة الشرع إلى واشنطن، مؤكدا وفق لصحيفته "النبأ"، أن الشرع غير انتمائه الجهادي السلفي كي ينتمي إلى الدول الغربية، كما شبهوه بأنه أتاتورك جديد، وشبهوه أيضا بالدليل الذي قاد جيش أبرهة إلى هدم الكعبة، في إشارة إلى التعاون ما بين الشرع وبين ترمب في الحرب ضد التنظيم الإرهابي.
وعلق التنظيم في افتتاحية صحيفته، على مشاهد لعب الكرة بين الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني مع مجموعة من القادة العسكريين الأمريكيين، وتساءل التنظيم الإرهابي: "فيا ترى في شباك أي خصم سيحرزون الأهداف؟ ولمصلحة أي فريق سيلعبون؟".
وجدد التنظيم الإرهابي دعوته بضرورة الانضمام إلى راية "داعش"، وخاصة دعوته للمسلحين المتحالفين مع الشرع، قائلا: "إن راية الجهاد التي رفعتها الدولة الإسلامية (داعش) لم تزل كما نشأت صافية نقية، لم تتلوث بما تلوثت به الرايات العمية والجاهلية حولكم، فلوذوا بها وكثروا سوادها وانضووا تحتها قبل فوات الأوان، ولا تكرروا الخطأ مرتين".
وضع ميداني معقد
ويظهر من خلال التطورات الجديدة في الأراضي السورية، أن الحكومة الانتقالية قد أعلنت انضمامها للتحالف الدولي ضد داعش، بينما شرحت أنها لن تكون ضمن عملية عسكرية أمريكية، وأنها أرادت بهذه الخطوة إعلان دمج سوريا في المجتمع الدولي وإنهاء عزلتها الدولية، بالإضافة لاكتساب شرعية الحكومة الجديدة، وهذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإن الهجوم الأخير لقوات سوريا الديمقراطية على بعض النقاط العسكرية والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة دمشق، يبرز أن بعض الفصائل تعمل على حماية خلايا وعصابات التنظيم الإرهابي.
وهكذا فإن الخطوة السورية تجاه التنسيق مع التحالف الدولي تعد خطوة مهمة في سبيل الانخراط في المجتمع الدولي وعدم الانعزال عنه، إلى جانب تحقيق الشرعية الخارجية، فيما تنتظر أطراف سورية أن تتخذ الحكومة الانتقالية خطوات جادة في تحقيق الاستقرار الداخلي، فضلا عن غضب التنظيم الإرهابي الذي بات يهدد الحكومة ويسعى للانتقام بحسب نشراته.






0 تعليق