أوتو فون جيريكه.. عالم الفيزياء الذي غير مفاهيم العصر

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا اليوم من القرن السابع عشر، لمع اسم عالم ألماني استطاع أن يغير مفاهيم الفيزياء، ويضع أسسًا جديدة لفهم الظواهر الطبيعية المتعلقة بالهواء والضغط والفراغ، إنه أوتو فون جيريكه، المخترع والفيزيائي والفيلسوف الألماني، الذي لم يكتف بالتنظير العلمي، بل أثبت أفكاره بتجارب عملية مذهلة، أشهرها تجربة «نصفي الكرة الماجديبورجية» التي أبهرت ملوك أوروبا وأثبتت وجود القوة الهائلة للضغط الجوي.

النشأة والتكوين العلمي

ولد أوتو فون جيريكه عام 1602 في مدينة ماجديبورج بألمانيا، وكان منذ صغره مولعًا بالعلم والميكانيكا، درس الحقوق والفلسفة، ثم اتجه إلى دراسة الهندسة والرياضيات في جامعات لايبزيج وهاله ويدن، هذا التنوع المعرفي منحه قدرة استثنائية على الابتكار والربط بين العلوم النظرية والتطبيقات العملية، شغل لاحقًا منصب عمدة ماجديبورج، لكنه استمر في أبحاثه العلمية رغم المهام السياسية.

 

بداية اكتشاف الفراغ

في تلك الحقبة، كان الاعتقاد السائد أن الطبيعة «تكره الفراغ»، وأن الفراغ لا يمكن أن يوجد، لكن جيريكه رفض هذا المفهوم التقليدي، وكرس سنوات من البحث لإثبات أن الفراغ يمكن توليده، وأن للهواء وزنًا وضغطًا يمكن قياسهما، بدأ بتصميم مضخة لامتصاص الهواء من الأوعية، واستطاع لأول مرة في تاريخ الفيزياء إثبات إمكانية خلق فراغ شبه كامل، وهو إنجاز قلب المفاهيم العلمية رأسًا على عقب.

 

تجربة نصفي الكرة الأسطورية

عام 1654، قدم جيريكه تجربته الأشهر أمام الإمبراطور فرديناند الثالث في مدينة ريجنسبورج استخدم نصفين معدنيين على شكل كرة، أفرغ منهما الهواء، وحاول فريقان من الخيول سحب النصفين للفصل بينهما، لكنهما لم يتمكنا من ذلك بسبب قوة الضغط الجوي التي ثبتت النصفين بإحكام، أثبتت التجربة بصورة عملية أن الهواء يمتلك ضغطًا قويًا، وأن الفراغ حالة يمكن تحقيقها علميًا، أصبحت هذه التجربة علامة فارقة في تاريخ العلوم، ومهدت لظهور علم الضغط الجوي والهندسة الهوائية.

 

إنجازاته العلمية وتأثيره على المستقبل

لم تتوقف إسهامات جيريكه عند إثبات الفراغ والضغط الجوي، بل وضع أساسيات عمل المضخات الهوائية التي كانت نواة لتطور المضخات الصناعية ومضخات الهواء الحديثة، كما ساهمت أبحاثه في تطوير أدوات البارومتر والمانومتر، وأثرت لاحقًا في مجالات الفيزياء والكيمياء والهندسة، ألهمت اكتشافاته علماء كبارًا مثل بويل وباسكال ونيوتن، الذين اعتمدوا على نتائجه في تطوير نظرياتهم.

 

يعد أوتو فون جيريكه واحدًا من أبرز العلماء الذين غيروا مسار الفيزياء الحديثة، ليس فقط بسبب اكتشافاته، بل لأنه جمع بين الفكر التجريبي والشغف العلمي والإصرار على إثبات المجهول، وفي مثل هذا اليوم، نستذكر إرثه العلمي الذي لا يزال حيا في كل جهاز يعمل بالضغط أو الهواء، وفي كل تجربة تبحث في أعماق الطبيعة لفهم أسرارها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق