«أقرت لجنة الأمن القومى فى (الكنيست) الإسرائيلى، يوم (3 نوفمبر 2025)، مشروع قانون يتيح تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين».
هكذا نشرت الصحف المحلية والعربية والدولية، والميديا العالمية، ونقلت وكالات الأنباء، عن وسائل إعلام إسرائيلية، قولها إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، «بنيامين نتنياهو»، أعطى الضوء الأخضر لإقرار مشروع القانون، وأن اللجنة أقرَّته وأحالته إلى الهيئة العامة للكنيست لمناقشته والتصويت عليه فى المراحل التشريعية المقبلة، وأضافت أن لجنة برلمانية تابعة لـ«الكنيست»، كانت قد صادقت فى سبتمبر الماضى، على مشروع قانون «إعدام أسرى فلسطينيين»، تمهيدًا للتصويت عليه بالقراءة الأولى، ووفقًا لها يُعتبر القانون جزءًا من الاتفاقات التى جرى توقيعها لإبرام صفقة تشكيل الائتلاف الحكومى برئاسة رئيس «حزب الليكود»، «بنيامين نتنياهو»، ورئيس «القوة اليهودية»، «إيتمار بن غفير»، أواخر عام 2022»!
هكذا صدر هذا القرار، ثم صمت الجميع عن الكلام، وكأن هذا النبأ الجلل لم يسمع به أحد، رغم أن التصريح بإعدام كلب، فى بلاد «الحق»، و«حقوق الإنسان»، و«الديمقراطية»... إلخ، كان كفيلًا بقلب الدنيا رأسًا على عقب!
فرغم كل ما حدث، ورغم الاعترافات التى توالت بشعب فلسطين ودولته المأمولة، ورغم «خطة ترامب للسلام»... إلخ، ما زال مجرمو الحرب فى «تل أبيب» مُسلحين بذرائع واهية شتّى، يستبيحون الدم الفلسطينى الغالى، ولا يلقون بالًا لأصوات الاحتجاج الواهية، ما داموا أمنوا العقاب، والمثل العربى يقول: «من أمن العقاب أساء الأدب»!
ومع أن شعب فلسطين الصامد، ومقاومته النبيلة هما الضحية المباشرة لإقرار، ثم تطبيق هذا القانون الإجرامى المُتفرد، إلا أن العالم كله سيدفع ثمن التهاون الدولى فى الضرب بيد من حديد على العصابة الصهيونية الحاكمة فى الكيان المغتصب، وسيأتى حُكَّام جدد، غدًا أو بعد غدٍ، يقتدون بقادة العصابات الإجرامية، ويُكررون اللعب بهذا السلاح الفتّاك، فى وجه كل من يقول «لا» للقتلة ومغتصبى الحقوق!
فالمؤكد أن مَن سيدفع ثمن الصمت على هذا السلوك الإرهابى الجائر، وعدم الحسم فى مواجهته، هو العالم كله، وسيسهم مثل هذا النزوع الفاشى، إذا مرَّ دون عقاب، فى استيلاد عشرات النماذج الهتلرية، التى ستحيل العالم، فى الغد المنظور، إلى جحيم لا يُطاق، لا يصلح العيش الإنسانى الكريم بين ربوعه!
وأولى ضحايا هذا التوجُّه الصهيونى المجنون، هو القانون الدولى الراسخ فى التعامل مع أسرى الحرب، إذ يضمن القانون الدولى الإنسانى، ولا سيما «اتفاقية جنيف الثالثة» لعام 1949، حماية واسعة لأسرى الحرب، من التعذيب والمُعاملة المُهينة، ويحظر تعريض الأسير لأى شكل من أشكال المعاملة القاسية أو اللا إنسانية. وهذا يشمل حمايته من أى أعمال عنف أو ترويع، كما أنه يضمن، فى حال محاكمة الأسير، أن تتم المحاكمة أمام محكمة مستقلة ونزيهة، يتوافر فيها جميع الضمانات القضائية الأساسية، كما يحق للأسير الاستعانة بمحامٍ، وتقديم أدلة براءته، والطعن فى الحكم الصادر ضده.
ويتحفَّظ القانون الدولى الإنسانى، بشكل قوى، ضد تطبيق عقوبة الإعدام على أسرى الحرب، وتُعتبر هذه العقوبة إجراءً استثنائيًا مرفوضًا، وتوجد قيود صارمة للغاية توجب مُعاملة الأسير معاملة إنسانية فى جميع الأوقات، ويشمل ذلك توفير الرعاية الطبية والغذاء الكافى، والسماح له بتلقى الزيارات من قبل منظمات حقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وبالرجوع إلى نص هذا القانون الذى يُفترض الالتزام الدولى بمضمونه التزامًا بيِّنًا، يتبين فى التعامل الصهيونى مع الأسرى الفلسطينيين، مدى المُخالفات الفادحة فى قرار «الكنيست» الأخير المعيب، والقاضى بإعدام الأسرى. ذلك أن هذه العقوبة، فى حكم الإعدام الإلزامى للفلسطينيين المُدانين بقتل إسرائيليين بدوافع قومية، «أى غير الاختيارية للقاضى»، ما يُلغى السلطة التقديرية للقاضى، ويخالف مبدأ المحاكمة العادلة وحظر الإعدام الجماعى.
والأثر الجماعى المُباشر لتطبيق قرار «الكنيست» المشئوم، يمكن أن يستهدف نحو 300 أسير من «قوات النخبة» الأمر الذى يجعله أقرب لحكم إعدام جماعى، ويُعد انتهاكًا صريحًا للمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف، التى تحظر «إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون مُحاكمة سابقة أمام محكمة مُشَكَّلة تشكيلًا قانونيًا».
والواقع أن الكيان الصهيونى الإجرامى لم يكن فى حاجة لمثل هذا القرار الصادر عن «الكنيست»، فهو حتى بدونه لا يحترم أى قانون، ويدوس بالنعال على كل القيم والضوابط الإنسانية والأخلاقية، حيث تشير التقارير المعتمدة إلى ممارسات إسرائيلية أخرى تنتهك القانون الدولى، ومنها: «الإعدامات خارج نطاق القضاء، حيث تم الإبلاغ عن مقتل 81 أسيرًا فلسطينيًا على الأقل داخل السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، بالإضافة إلى إعدام العشرات من معتقلى غزة».
وكشفت أحوال الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، مؤخرًا، بموجب «خطة ترامب» لإيقاف الحرب، ومظهرهم الداعى للرثاء، عن ظروف الاعتقال اللا إنسانية، والانتهاكات الجسيمة التى يعيش الأسرى تحت وطأتها، وتتضمن هذه الانتهاكات التعذيب، والتجويع، والإهمال الطبى، وتقييد فرص الاستحمام، وكلها تشكل تجاوزات فادحة، بلا مُحاسبة، لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولى.
***
والأخطر عما تقدم، أن إجرام «نتنياهو» وزمرته، ليس وقفًا على الحكم أو العسكريين وحدهم، بل ولا على طغمة المتطرفين الدينيين الصهاينة وحسب، وإنما هو أمر يعكس توجُّهًا غالبًا فى المجتمع الصهيونى بكليته!
وقد عرّى هذا التوجُّه الخطير البروفيسور اليهودى التقدمى، المعادى للصهيونية، د. «نورمان فنكلستين»، صاحب كتب: «صناعة الهولوكوست: تأملات فى استغلال مُعاناة اليهود»، و«ما بعد الصفاقة: معاداة السامية الجديدة»، وغيرها، وهو مناضل صلب الإرادة، يقظ الضمير، قوى الحُجّة ضد المزاعم الصهيونية، كان أبواه من الناجين من معسكر الاعتقال النازى: «جيتو وارسو»، وأباد النازيون جميع أفراد عائلته من جهة الوالدين معًا.
فقد أعلن، فى برنامج تليفزيونى بوضوح وقطع، عن أن: «الإبادة الجماعية فى غزة ليست مشروعًا حكوميًا فحسب، بل هى مشروع (صهيونى) قومى، والأمر ليس بعمل فئة من القادة فقط، يميل البعض دائمًا إلى تسميتهم مثل (بن غفير)، و(سيموتريتش)، وبعضهم يضم نتنياهو أيضًا، وإنما هو مشروع يُعبِّر عن قطاعات واسعة من المجتمع اليهودى الإسرائيلى!».
واستشهد البروفيسور «فنكلستين» بمؤشرات مختلفة واضحة على ذلك، ففى أحد الاستطلاعات طُرح سؤال بسيط، لا يترك مجالًا للمناورة: «عندما يغزو الجيش الإسرائيلى مدينة غزة: هل يجب أن يقتل جميع مَن فى المدينة؟!»، وحين طُرح هذا السؤال، قال 47% من الإسرائيليين: «نعم»!، تقريبًا واحد من كل اثنين قال فى الاستطلاع، وبشكلٍ جاد: «نعم».. «ينبغى قتل الجميع فى المدينة»! وفى استطلاع آخر، سأل: «هل هناك أبرياء فى غزة، أم أن الجميع هناك إرهابيون؟!»، كانت نتيجة الاستطلاع أن 62% من جميع الإسرائيليين قالوا إنه «لا يوجد أبرياء فى غزة!»، وإذا استبعدت السُكّان غير اليهود، حوالى 20% من إسرائيل، يُصبح الرقم نحو 70% قالوا إنه لا يوجد أبرياء فى غزة، كما يذكر د. «فنكلستين»!
***
والشاهد أن القواعد الدولية تحظر بشكل قاطع الإعدام الجماعى والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية للأسرى، فما بالك بالمواطنين العاديين، الذين لم يحملوا سلاحًا، أو يواجهوا- بالعنف المُبرر، عدوانًا، كما يحدث كل ساعة فى فلسطين المحتلة؟!.
ولذا فمشروع القانون الإسرائيلى المطروح، بالإضافة إلى الممارسات المُبَلَّغ عنها فى السجون، يتعارض بشكل صريح مع هذه المبادئ ويوصف من قبل جهات حقوقية دولية وفلسطينية عديدة، بأنه «جريمة حرب مكتملة الأركان»، وامتداد لسياسة «الإبادة الجماعية»، «تحت ظلال القانون!».
***
ويتحدثون عن «السلام»؟!.. فمن يُحاسب الكيان الصهيونى، قبل ذلك، على جرائمه فى حق الإنسانية؟!















0 تعليق