بعد موافقة مجلس النواب بجلسته العامة المعقودة فى ١٦ أكتوبر الماضى، وبعد شائعات وتشنيعات، بشأن مواد لا وجود لها، أو تفسيرات غير منطقية، ولن نقول هلاوسية، لبعض المواد، وافق الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأربعاء، على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد. ولعلك تعرف أن هذا القانون يوضح كيفية تطبيق العقوبات ويحكم عملية التقاضى منذ لحظة وقوع الجريمة حتى صدور الحكم، ويختلف عن قانون العقوبات الذى يحدد الجرائم والعقوبات المترتبة عليها.
لا جدوى، طبعًا، من الالتفات إلى ما زعمته لجان إلكترونية، أو وسائل إعلام، تحت مستوى الشبهات، فما يعنينا الآن، هو أن تعديلات المواد، التى كانت محل اعتراض رئيس الجمهورية، زادت من الضمانات المقررة لحماية الحقوق والحريات العامة، واستجابت لاعتبارات الواقع العملى، وحققت إحكام الصياغة وغايات الوضوح التشريعى، وحالت دون وقوع اختلاف فى التفسير أو إشكاليات فى التطبيق. و... و... ولا نجد أى مبالغة فى وصف هذه التعديلات بأنها تمثل إضافة مهمة للضمانات المقررة لحماية حقوق الإنسان، سواء لشخصه أو مسكنه، وتقلل اللجوء للحبس الاحتياطى، وتزيد من سرعة إنجاز تحقيقات النيابة العامة وإجراءات المحاكمة، وتكفل أو تعزز، فى الوقت ذاته، ضمانات المحاكمة المنصفة.
كان الرئيس السيسى قد مارس حقه الدستورى، وأعاد القانون إلى البرلمان، فى سبتمبر الماضى، طالبًا مراجعة ٨ مواد من أصل ٥٥٢ مادة، تتعلق بضمانات حرمة المساكن، وبدائل الحبس الاحتياطى، و... و... وهذا ما حدث، فعلًا، وتعامل مجلس النواب بعين المسئولية الوطنية، مع اعتراض الرئيس، لتنص المواد المستحدثة، بشكل واضح وقاطع، على ترسيخ الحماية الدستورية المقررة للمساكن، وتوضيح حالات دخولها على سبيل الاستثناء وفق ضوابط محددة مثل الاستغاثة أو الخطر الناجم عن الحريق أو الغرق.
مبكرًا، مبكرًا جدًا، التفت الرئيس إلى أن العدالة البطيئة هى نوع من الظلم، ورأى ضرورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية، وأعلن يوم تشييع جنازة المستشار هشام بركات، النائب العام الأسبق، منتصف ٢٠١٥، عن تعديلات مرتقبة لقانون الإجراءات الجنائية، موضحًا أن الدولة لا تتدخل فى عمل وشئون القضاء، وملتزمة بالقوانين المعمول بها والتى تسير المحاكمات وفقًا لها، والتى تكبّل عمل القضاء وتحول دون تحقيق العدالة الناجزة أو القصاص الناجز ممن يريقون دماءنا. كما رأينا وسمعنا الرئيس، أواخر ٢٠١٦، يطالب القضاء والبرلمان والحكومة بالتحرك: «لازم نتحرك أكتر من كده، القضاء مش حاينفع كده»، فى جنازة الشهداء، ضحايا الحادث الإرهابى الذى استهدف الكنيسة البطرسية.
وأيضًا المهم، هو أن من بين ما استوقفنا فى التعديلات، أو الأحكام المتحدثة، هو تنفيذ توصية «اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان»، التابعة لوزارة الخارجية، بعرض أوراق القضية التى يتم حبس المتهم على ذمتها، احتياطيًا، بصفة دورية على النائب العام، كلما انقضت ثلاثة أشهر على حبسه أو على آخر عرض لها، لاتخاذ الإجراءات التى يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق، وليس لمرة واحدة كما كان فى مشروع القانون.
استوقفنا كذلك، زيادة بدائل الحبس الاحتياطى لتكون سبعة بدائل بدلًا من ثلاثة، لإتاحة الفرصة أمام سلطة التحقيق لاختيار الأوفق من بين البدائل على نحو يفضى لتجنب اللجوء للحبس الاحتياطى إلا كإجراء أخير. وكذا تأكيد القانون على استمرار العمل بالإجراءات التقليدية لإعلان الخصوم بجانب الإعلان بوسائل تقنية المعلومات المستحدثة، بموجب مشروع القانون، حال تعذر الإعلان بها لأى سبب من الأسباب. إضافة إلى زيادة الضمانات المقررة للمتهم بجناية، الذى يحاكم غيابيًا، حال تعذر حضوره أو وكيله الخاص فى أى من الجلسات المحددة لنظر الاستئناف المرفوع منه.
.. وأخيرًا نصت التعديلات على أن يبدأ العمل بقانون الإجراءات الجنائية الجديد من أول العام القضائى التالى لتاريخ إصداره، أى فى أول أكتوبر المقبل، حتى يتسنى للقائمين على إنفاذه، من قضاة وأعضاء نيابة عامة ومأمورى ضبط قضائى ومحامين، الإلمام بالأحكام المستحدثة، أو المواد التى تم تعديلها، وإتاحة الوقت أمام المحاكم لإنشاء مراكز الإعلانات الهاتفية المنصوص عليها فى القانون.





0 تعليق