مع انتهاء حرارة الصيف وبدء أوراق الأشجار في التساقط، يلاحظ بعض الأشخاص تغيرًا واضحًا في مشاعرهم وسلوكهم، تقل الطاقة، تزداد الرغبة في النوم، ويصبح المزاج أثقل مما هو معتاد، وهذه الحالة ليست مجرد “مزاج متعكر”، بل تُعرف في الطب النفسي باسم الاضطراب العاطفي الموسمي، وأحد أشهر أنواعه هو اكتئاب الخريف.
يظهر هذا النوع من الاضطراب بشكل متكرر مع بداية الخريف ويمتد أحيانًا إلى منتصف الشتاء، ثم يختفي تدريجيًا مع عودة الشمس وطول ساعات النهار في الربيع.
ما الذي يحدث في الجسم مع بداية الخريف؟
لا يُعرف سبب واحد وواضح لظهور اكتئاب الخريف، لكن الدراسات ترجّح تأثر الدماغ بانخفاض كمية الضوء الطبيعي خلال اليوم. هذا التغيّر البسيط يؤثر على ثلاثة عناصر مهمة في الجسم:
1. الساعة البيولوجية
يستخدم الجسم ضوء الشمس لتنظيم دورة النوم والاستيقاظ. عندما تقل الإضاءة، يحدث اضطراب في هذه الساعة، فيشعر الشخص بالخمول أو الارتباك في مزاجه ونومه.
2. هرمون السيروتونين - هرمون السعادة
يرتبط السيروتونين بتحسين المزاج، ونقص التعرض للشمس يؤدي لانخفاض إنتاجه، فتزداد احتمالية الشعور بالحزن والقلق.
3. زيادة هرمون الميلاتونين
الظلام يحفّز الجسم لإفراز الميلاتونين المسؤول عن النعاس. زيادة إنتاجه خلال الخريف تجعل البعض يشعر بالرغبة الدائمة في النوم.
4. نقص فيتامين D
قلة التعرض للشمس تعني انخفاضًا في مستويات فيتامين D، وهو عنصر يساعد في الحفاظ على استقرار الحالة النفسية.
في بعض الحالات قد تزداد الفكرة ذاتها “اقترب الشتاء سأصبح أسوأ” فتتحول إلى دائرة من الأفكار السلبية تزيد من أعراض الاكتئاب.
من الأشخاص الأكثر عرضة لهذه الحالة؟
يمكن لأي شخص أن يمرّ باكتئاب الخريف، لكن احتماليته ترتفع لدى:
• من لديهم تاريخ سابق مع الاكتئاب أو القلق.
• من لديهم أفراد في العائلة يعانون من اضطراب عاطفي موسمي.
• المقيمين في مناطق بعيدة عن خط الاستواء حيث يقل الضوء في الخريف والشتاء.
• النساء بشكل أكبر من الرجال وفق الإحصاءات.
علامات اكتئاب الخريف
الأعراض قد تظهر تدريجيًا، ومن أبرزها:
• شعور دائم بالحزن أو ثقل في المزاج.
• انخفاض الطاقة وصعوبة في التركيز.
• زيادة واضحة في النوم مع صعوبة الاستيقاظ صباحًا.
• الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية والرغبة في العزلة.
• اشتهاء الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات وزيادة الوزن.
• ضعف الرغبة الجنسية.
• الإحساس بعدم القيمة أو اليأس.
• وقد تشمل في الحالات الشديدة أفكارًا سوداوية أو انتحارية.
بعض المصابين بأعراض اكتئاب الخريف قد يعانون أيضًا مشاكل مصاحبة مثل اضطرابات الأكل أو القلق أو نوبات الهلع.
كيف يتم التشخيص؟
التشخيص لا يتم عبر فحص مخبري واحد. يبدأ الطبيب عادةً بمحادثة واستبيان للحالة النفسية، وأحيانًا يتم طلب تحاليل لاستبعاد نقص فيتامين D أو مشكلات الغدة الدرقية، وبعدها يحدد إذا كانت الأعراض موسمية أم مرتبطة بمشكلة نفسية أخرى.
طرق العلاج والتحسن
لا يُترك اكتئاب الخريف دون علاج، فهناك عدة خيارات عملية أثبتت فاعليتها:
1. العلاج بالضوء
جلسات أمام مصدر ضوء علاجي يحاكي ضوء الشمس الطبيعي. تستمر الجلسة بين نصف ساعة وساعة في الصباح، وتعتبر من أنجح الطرق للمصابين باكتئاب الخريف.
2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
جلسات مع متخصص تساعد الشخص على فهم كيفية تأثير أفكاره على مشاعره وسلوكه، وتعلّمه استراتيجيات للتعامل مع المزاج المنخفض.
3. الأدوية عند الحاجة
في الحالات المتوسطة إلى الشديدة قد يُوصي الطبيب بمضادات اكتئاب، خصوصًا تلك التي تزيد من مستوى السيروتونين.
4. تعديلات بسيطة في أسلوب الحياة
• الخروج للمشي وقت الظهيرة للحصول على أكبر قدر من ضوء الشمس.
• ممارسة الرياضة بانتظام لتنشيط إفراز السيروتونين.
• تناول غذاء متوازن وغني بالخضار والبروتين.
• تنظيم مواعيد النوم.
رسالة مهمة
ليس اكتئاب الخريف علامة ضعف، ولا هو مرحلة “مزاجية” يمكن تجاوزها بالقوة. إنه اضطراب حقيقي يرتبط بتغييرات فسيولوجية في الدماغ، والتعامل معه مبكرًا يساعد على منع تزايد الأعراض.
إذا لاحظت أن الخريف كل عام يجلب معه مشاعر ثقيلة أو انسحابًا من الحياة، فلا تتردد في استشارة مختص نفسي. طلب المساعدة خطوة شجاعة وليست ضعفًا.






0 تعليق