في ذاكرة الفنّ العربي، هناك وجوه لا تُغادر القلب، لأنّها كانت تُضحكنا بصدق وتُبكينا بصدق أيضًا. ومن بين تلك الوجوه التي صارت رمزًا للبساطة والطيبة، يطلّ يونس شلبي، الفنان الذي لم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل حالة إنسانية تُجسّد البراءة والدفء.
تخرّج يونس شلبي في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك بدأت ملامح موهبته تفرض حضورها منذ اللحظة الأولى. كانت انطلاقته الكبرى من مسرحية “مدرسة المشاغبين”، التي جمعته بكبار النجوم مثل عادل إمام وأحمد زكي وسعيد صالح وسهير البابلي. في ذلك العرض الخالد، قدّم شخصية الطالب البريء الطيّب، فدخل قلوب الناس بضحكته الصافية وحضوره المحبّب.
تنوّعت أدواره في السينما والتلفزيون، فشارك في أفلام خالدة مثل رجب فوق صفيح ساخن، العذاب امرأة، وإلحقونا. وفي الدراما التلفزيونية، لمع في أعمال مميّزة مثل عيون وبوابة الحلواني، حيث أثبت أنّ خفّة الظل لا تلغي العمق ولا الصدق الفني.
ولا يمكن أن يُذكر اسم يونس شلبي دون استحضار صوته المحبوب في “بوجي وطمطم”، العمل الرمضاني الأشهر الذي رافق طفولة أجيال كاملة. في هذا المسلسل، منح “بوجي” روحًا من البراءة واللعب والضحك، ليصبح رمزًا للطفل العربي البسيط الذي يرى العالم بعين المحبة. لقد قدّم يونس شلبي من خلاله فنًا تربويًا راقيًا، جمع بين المتعة والبراءة، وجعل الأطفال ينتظرونه كل عام بشوق.
كان يونس شلبي فنانًا بسيطًا متواضعًا، يرى الفن رسالةً لا وسيلة، ويؤمن بأن الضحك الصادق أبلغ من أيّ كلمات. وحين غاب، بقي وجهه البشوش شاهدًا على زمنٍ جميل عرف كيف يضحك من القلب دون تصنّع.
لقد علّمنا يونس شلبي أنّ الضحك يمكن أن يكون أرقى أشكال الإنسانية، وأنّ البساطة ليست ضعفًا بل قوّة من نوعٍ نادر. لم يكن نجمًا يبحث عن الأضواء، بل كان ضوءًا في ذاته، يفيض محبةً وصدقًا أينما وُجد.
رحل الجسد، لكنّ الصوت ما زال يهمس في ذاكرة طفولتنا، والوجه البشوش ما زال يسكن شاشات القلب.
إنّه يونس شلبي… الفنان الذي لم يُمثّل الضحك، بل عاشه، فصار رمزًا للفرح النقيّ الذي لا يزول.












0 تعليق