يؤمن الشاعر عيد عبدالحليم، أن كل شاعر يحمل في بداياته ديوانًا بعينه غيّر نظرته إلى الشعر، وأعاد تعريف علاقته بالكلمة والعالم من حوله. وبالنسبة إليه، كان هذا الديوان هو «الناس في بلادي» لصلاح عبد الصبور، العمل الذي وصفه بأنه "أيقظ الوعي بالشعر كقيمة فكرية وجمالية في آن واحد".
يقول “عبدالحليم” في حديثه لـ"الدستور": "حين قرأت ديوان الناس في بلادي كنت في مطلع رحلتي مع الكتابة. كنت أتعامل مع الشعر كفضاء للبوح العاطفي، لكن عبد الصبور جعلني أرى أن القصيدة يمكن أن تكون فكرًا حيًّا، ورؤية للعالم، وأن الشعر لا يكتفي بالتأمل، بل يطرح أسئلة الإنسان الكبرى."
ويرى “عيد” أن صلاح عبد الصبور كان أول من قدّم له نموذجًا حيًّا للشاعر المفكر، الذي يجمع بين حسّ الإنسان اليومي وقلق الفيلسوف. في الناس في بلادي لم يكن الشاعر يتحدث من برجٍ عالٍ، بل من قلب الناس، بلغتهم، بأحلامهم الصغيرة وآلامهم اليومية. لكنها لغة تحمل عمقًا إنسانيًا مدهشًا، تجعل من البسيط رمزا ومن اليومي معنى وجوديًا."

كنت مأخوذًا بقدرته على الجمع بين الإيقاع الموسيقي الداخلي والتأمل الفلسفي، بين حرارة الواقع وتجريد الفكرة. شعرت أن الشعر يمكن أن يكون صوتًا للحياة نفسها، لا مجرد غناء على هامشها."
يصف عبدالحليم قراءته للديوان بأنها كانت لحظة تحول في الوعي، إذ غيّرت مفهومه عن دور الشاعر في المجتمع، وعن وظيفة القصيدة ذاتها. "بعد صلاح عبد الصبور لم أعد أكتب القصيدة من أجل اللغة أو الجمال، بل من أجل الحقيقة. أدركت أن الشعر ليس زينة ثقافية، بل طريقة في التفكير ورؤية الوجود."
كان عبد الصبور صادقًا إلى حد الوجع، ووعيه بالإنسان المصري – البسيط والمهموم والحالم – جعل شعره جزءًا من ضمير هذا الوطن. لذلك، فإن ديوانه الناس في بلادي لم يكن مجرد عمل أدبي، بل وثيقة وجدانية لروح جيلٍ كامل."
،يضيف “عيد”: إن قراءته لعبد الصبور تركت أثرًا عميقًا في تجربته الشعرية اللاحقة: "تعلمت منه أن القصيدة لا تُكتب من الخارج، بل من الداخل، من التجربة الإنسانية الصافية. تعلمت أن أكتب كما أشعر، لا كما يُنتظر مني أن أقول. ومن هنا بدأ تحوّلي نحو القصيدة التي تحاور العالم، لا تكتفي بالحديث عن الذات."
ما زلت أعود إلى الناس في بلادي كأنني أقرأه للمرة الأولى. كل جيل يجد فيه شيئًا جديدًا. صلاح عبد الصبور لم يكن شاعرًا يكتب عن الناس، بل شاعرًا كتب من داخلهم. لذلك سيبقى صوته حيًا في وجدان الشعر المصري، لأنه ببساطة كتب الحقيقة كما رآها: صادقة، جارحة، وإنسانية إلى أقصى حد."











0 تعليق