افتتح المتحف المصري الكبير، في حدث لفت انظار العالم، وعبر كل من شاهده عن انبهاره لذلك الصرح الحضاري الذي يُعد أكبر متحف أثري مخصص لحضارة واحدة على وجه الأرض.
وبين أروقة هذا المتحف العملاق، الذي يضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية توثق مسيرة المصري القديم منذ فجر التاريخ وحتى العصور المتأخرة، تتربع قطعة استثنائية تُعتبر الأقدم على الإطلاق في سجل البشرية: فأس حجرية يعود عمرها إلى نحو 700 ألف سنة.
الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، كشف أن هذه الفأس تُعد أقدم قطعة أثرية في العالم تم العثور عليها حتى الآن، موضحًا أنها وُجدت في منطقة العباسية بالقاهرة، وتم تأريخها علميًا عبر تحليل طبقات الرواسب النيلية التي أحاطت بها.
وأشار وزيري إلى أن تلك الأداة البسيطة في مظهرها والعظيمة في معناها، تجسد أولى محاولات الإنسان المصري للتفاعل مع بيئته وصياغة أدوات تساعده على البقاء، مضيفًا أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مخزن للآثار، بل هو هدية مصر للعالم تحكي قصة الإنسان منذ بداياته الأولى.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير، أن الفأس الحجرية كانت أداة رئيسية في حياة الإنسان المصري القديم، استخدمها لصيد الحيوانات والأسماك وقطع الأشجار والنباتات، مشيرًا إلى أنها تنتمي إلى العصر الحجري القديم، أي إلى حقبة تسبق نشأة الحضارات المنظمة بقرون طويلة.
ومن جانبه، أكد الدكتور رضا سيد أحمد، أستاذ الآثار والحضارة المصرية بجامعة المنصورة، أن هذه القطعة تمثل شاهدًا فريدًا على وجود الإنسان المصري منذ مئات آلاف السنين، لافتًا إلى أن تلك الحقبة اتسمت بالترحال والاعتماد على الطبيعة في توفير الغذاء والماء، ومع مرور الزمن، وتحديدًا بعد اكتشاف الزراعة، بدأت ملامح الاستقرار والتجمع البشري، وهي اللحظة التي انطلقت منها الشرارة الأولى لبناء أعظم حضارة عرفها التاريخ.
ويضم المتحف أيضًا مجموعة نادرة من الآثار تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصور اليونانية والرومانية، لتقدم رؤية متكاملة لتطور الإنسان المصري عبر آلاف السنين. ومن أبرز ما يميز المتحف وجود مركبي الملك خوفو، أطول وأندر أثرين خشبيين في العالم بطول يبلغ 42.3 مترًا لكل منهما، إلى جانب خبيئة العساسيف الشهيرة التي تُعرض لأول مرة كاملة أمام الزوار بعد أن جرى ترميمها بأيادٍ مصرية خالصة.
بهذا، لا يقتصر المتحف المصري الكبير على كونه متحفًا للعرض، بل هو سجل حي لتاريخ الإنسان منذ أول ضربة فأس على صخر الأرض وحتى بلوغ قمم الإبداع في فنون العمارة والنحت والفكر. فكل قطعة فيه تروي فصلًا من قصة مصر التي ما زالت تبهر العالم منذ سبعة آلاف عام وحتى اليوم.











0 تعليق