في مثل هذا اليوم، وتحديدًا عام 1903، رحل المؤرخ والأديب والسياسي الألماني تيودور مومزن، أحد أعلام الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر، وصاحب الأثر البالغ في دراسة التاريخ الروماني والقانون القديم، والحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1902 تقديرًا لأسلوبه الأدبي الفذ في مؤلفه الضخم تاريخ روما.
بدايات تيودور مومزن
وُلد تيودور مومزن في مدينة جاردنج بدوقية شلسفيغ – وكانت آنذاك تابعة للتاج الدنماركي – في أسرة بروتستنتية، إذ كان والده قسًا شجّعه منذ صغره على قراءة الأدب الألماني والعالمي، فنهل من أعمال شكسبير وبايرون وهوجو.
درس الحقوق في جامعة كيل، وتخصص في القانون الروماني الذي أصبح فيه مرجعًا بارزًا بعد حصوله على الدكتوراه بامتياز عام 1834، وخلال دراسته، توطدت صداقته بالأديب تيودور شتورم، وأثمرت تلك الصداقة عملين أدبيين مشتركين هما مجموعة الحكايات الخرافية وأغاني الأصدقاء الثلاثة، اللذان صدرا عام 1843.
تيودور مومزن.. من القانون إلى التاريخ
استلهم تيودور مومزن من المفكر القانوني فريدريش فون سافيني فكرة الربط بين التاريخ والقانون، وهو ما شكل أساس مشروعه العلمي لاحقًا.
وفي عام 1844 حصل على منحة من ملك الدنمارك لدراسة النقوش الرومانية، فكانت رحلته إلى روما بداية مسيرته البحثية الكبرى، حيث عمل على مشروعه العلمي الأشهر مجموعة النقوش اللاتينية (Corpus Inscriptionum Latinarum)، الذي أصبح حجر الزاوية في علم دراسة النقوش القديمة (Epigraphy).
شهدت ألمانيا ثورة 1848 أثناء عودته من روما، فساند مومزن الفكر الليبرالي ودعا إلى الحرية والديمقراطية، مما أدى إلى فصله من جامعة لايبتزيغ بعد عامين فقط من تعيينه أستاذًا للحقوق. لكنه سرعان ما عاد إلى الميدان الأكاديمي، متنقلًا بين جامعات زيورخ وبريسلاو وبرلين، حيث تولى عام 1858 كرسي التاريخ القديم في جامعة برلين، وانكب على تحرير ونشر النقوش اللاتينية بدءًا من عام 1863، وانتُخب عام 1873 عضوًا في أكاديمية العلوم البروسية، كما شغل مقعدًا في البرلمان البروسي ثم البرلمان الألماني، جامعًا بين دوره الأكاديمي ونشاطه السياسي.
إسهامات تيودور مومزن
قال الباحثون إن إنتاجه يكاد "يفوق طاقة الإنسان الواحد"، ومن أبرز كتبه: تاريخ روما (1854–1856) في ثلاثة مجلدات، قانون دولة روما (1871–1888)، وقانون العقوبات الروماني (1899).
امتازت كتابات مومزن بلغة أدبية مشرقة ودقة علمية صارمة، مما جعله يحقق توازنًا نادرًا بين المؤرخ والفنان. وقد أسهمت مؤلفاته في تأسيس المنهج الحديث لدراسة التاريخ الروماني، كما أشرف على مشاريع بحثية كبرى مثل صروح التاريخ الجرماني وموسوعة اللغة اللاتينية.
ورغم أنه تراجع عن استكمال الجزء الرابع من تاريخ روما خشية إساءة تفسيره سياسيًا، فإنه أصدر لاحقًا الجزء الخامس الذي تناول فيه تاريخ أقاليم الإمبراطورية الرومانية عام 1885.














0 تعليق